الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، ولقد كان كثير من العرب قبل الإسلام على صفات حميدة، يصلون الرحم، ويحملون الكل، ويكسبون المعدوم، ويقرون الضيف، ويعينون على نوائب الدهر، ويعتقون العبيد، ويفكون الأسير، ويوفون بالعهد، ويحفظون الأمانة.
من هؤلاء الأخيار حكيم بن حزام، أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وحمل على مائة بعير للفقراء، وكان كثير الصدقة، عظيم الصلة لرحمه، فلما أسلم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر ما قدم من خير في الجاهلية. وكان من الطبيعي أن يسأل هذا السؤال، كما سأل غيره ممن أسلم عن شر آثامه وشروره التي ارتكبها في الجاهلية، فأجيبوا بأن الإسلام يهدم ما قبله، وأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام بأنه لن يعدم خير ما قدم، فقد اكتسب به ثناء جميلا وذكرا حميدا، وأن خلال الخير تطبع صاحبها على الخير فتساعده على فعل الخير في إسلامه، والإسلام يضاعف حسنات البر، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
وأحس حكيم بأن ما قدم في الجاهلية كان نفعه دنيويا جميلا، وأحس حاجته إلى الثواب الأخروي بعد إسلامه، فقام يفعل في إسلامه من الخير مثل ما فعل في الجاهلية، فأعتق مائة رقبة وتبرع للمحتاجين بمائة بعير محملة بالطعام والثياب، وهكذا كان خيره في الجاهلية موصولا بخيره في الإسلام.
-[المباحث العربية]-
(عن حكيم بن حزام) صحابي جليل، من مناقبه أنه ولد في الكعبة، قال بعض العلماء: ولا يعرف أحد شاركه في هذا، عاش ستين سنة في الجاهلية أسلم عام الفتح، ومات بالمدينة سنة أربع وخمسين.
(أرأيت أشياء) أي أخبرني عن أشياء، والمراد منها أمور الخير والمعروف.