أصلا، وإنما كان خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ودم الشهيد ريحه ريح المسك فقط لا أطيب منه مع ما فيه من المخاطرة بالنفس وبذل الروح لأن الصوم أحد أركان الإسلام، وأيضا هو فرض عين، والجهاد فرض كفاية، وفرض العين أفضل من فرض الكفاية على الراجح كما نص عليه الشافعي. ووجه الربط بين قوله "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" بما قبله على تقدير يقول الله تعالى: يترك الصائم طعامه إلخ، وإنما قدرنا هذا ليصح المعنى لأن سياق الكلام يقتضي أن يكون ضمير المتكلم في لفظ "والذي نفسي بيده" وفي لفظ "من أجلي" من متكلم واحد وهو معنى فاسد، وفي معنى "الصيام لي" حيث إن الأعمال كلها لله، يقول القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله أضافه إلى نفسه، وقيل معناه: لم يتعبد به أحد غيري.
وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بمجرد فعلها، وقل أن يسلم ما يظهر من شائبة الرياء، بخلاف الصوم، ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم "الصيام لا رياء فيه" وقوله "ليس في الصيام رياء" ومعناه أن الصوم لا رياء فيه من جهة فعله، فإن حال الممسك عن الطعام شبعا كحال الممسك تقربا من حيث الصورة، وإن كان الرياء يدخل الصوم بالقول والتحدث عن النفس، كما إذا قال الصائم متباهيا: إني صائم، والمراد من قوله "وأنا أجزي به" أن جزاء الصوم كثير من غير تعيين لمقداره، لأن الكريم إذا قال: أنا أتولى الإعطاء بنفسي كان ذلك إشارة إلى تعظيم هذا العطاء وتفخيمه، وهذا كقوله تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال، ويؤيده ما رواه الطبراني "وأما العمل الذي لا يعلم ثواب عامله إلا الله فالصيام" وظاهر الكلام عدم الارتباط بين قوله "والحسنة بعشر أمثالها" وبين ما قبله. ولهذا قيل: أن هذه الرواية مختصرة وأصلها كما في الصيام" وأنا أجزي به، كل حسنة يعملها ابن آدم عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به" فخص الصيام بالتضعيف على سبعمائة ضعف، وإنما عقبه بقوله "والحسنة بعشر أمثالها" إعلاما بأن الصوم مستثني من هذا الحكم فكأنه قال: الصوم لي وأنا أجزي به بغير حساب، والحسنة في غيره بعشر أمثالها. وقد اتفقوا