دعا أنس بن مالك رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى داره وقدم إليه إناء فيه لبن مخلوط بماء، فشرب رسول الله منه، فلما أبان القدح عن فمه نظر إلى القوم، وفيهم أبو بكر عن يساره وعمر من أمامه وأعرابي عن يمينه، ورأى عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يميل الإناء نحو الأعرابي، فخشي أن يقدمه على أول مصدق في الإسلام، ثاني اثنين إذ هما في الغار، فقال: أعط أبا بكر بجوارك يا رسول الله وفطن الرسول إلى مقصد عمر، وكان صلى الله عليه وسلم يقصد مقصدا أسمى، فناول الأعرابي كان يقصد أن يربي الأمة، وأن يغرس في نفوسهم أن الناس سواسية أمام الأحكام الشرعية، وأن اليمين مقدم على الشمال، ولئن طيب التشريع نفوس الكبراء بتقديمهم عند تساوي بعض الأوصاف، فقد طيب نفوس الضعفاء والفقراء بتقديمهم إذا هم سبقوا إلى الأماكن المفضلة الشرعية، فإن فاتتهم فرصة الجاه والمكانة، فأمامهم فرصة السبق إلى عمل الخير، وإلى المكان المقدم لينالوا الفضل والفضيلة.
-[المباحث العربية]-
(شاة داجن) الداجن شاة ألفت البيوت وأقامت بها، قال ابن الأثير الداجن الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم، ولم يقل: داجنة لأن الشاة تذكر وتؤنث.
(وشيب لبنها بماء) الفل على صيغة المبني للمجهول، من شاب يشوب أي خلط (فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم القدح) فاعل "أعطى" ضمير يعود على أنس، وأصل الرواية بضمائر الغيبة، ولفظها "حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه أنه حلبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة داجن -وهو دار أنس بن مالك -وشيب لبنها بماء من البئر التي في دار أنس، فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم القدح .... ".
(إذا نزع القدح) أي قلعه من فمه وأبعده عنه، وجواب إذا محذوف