إني أسمع صوت إنسانين في هذين القبرين يعذبان، أسمعهما بقدرة أودعها الله في سمعي، وإن أصواتهما أصوات تأوه وتضجر وتألم مما هما فيه، وقد أخبرني ربي أنهما يعذبان في أمرين استهانا بهما، يعذبان في معصيتين ليستا كبيرتين في حسبان الناس، لكنهما كبيرتان عند الله. كان أحدهما في دنياه لا يتحرز من بقايا البول، فيصيب بدنه وثوبه فتبطل صلاته وهو يدري، وكان الآخر في دنياه ينقل الحديث السيئ من شخص إلى المقول فيه، ويزيد عليه للإيقاع بين الناس. وأخذته الشفقة والرحمة صلى الله عليه وسلم فتوجه إلى الله أن يخفف عنهما، ثم طلب من أصحابه جريدة خضراء لينة بما عليها من خوص فشقها نصفين ووضع على كل قبر من القبرين نصفا، وقيل: إن جريدة النخل والرطب من الزرع يسبح الله ما دام رطبا، ولعل الله يخفف عن المعذبين بسبب هذا التسبيح المستمر إلى أن تيبس الجريدتان.
-[المباحث العربية]-
(بحائط من حيطان المدينة) المنورة، والحائط البستان، وأطلق هنا على الحائط الذي يحيط بالقبور.
(أو مكة) الشك من الراوي، لكنه ورد في كتاب الأدب للبخاري بالجزم بأنه من حيطان المدينة.
(فسمع صوت إنسانين) الإنسان يطلق على الذكر والأنثى، وإضافة "صوت" وهو مفرد إلى "إنسانين" وهو مثنى جائز عند النحاة، والجمع أجود جاء به القرآن الكريم في قوله {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} والظاهر أنهما كانا مسلمين، إذ حصر سبب عذابهما في البول والنميمة ينفي كونهما كافرين.
(يعذبان في قبورهما) كان الظاهر أن يقال: في قبريهما، لكنه جمع هنا لأمن اللبس، وهو جائز.
(وما يعذبان في كبير) أي ولا يعذبان في أمر كبير شاق، بل في أمر سهل الترك يسير، أو لا يعذبان في ذنب كبير في نظر الكثيرين، بل في أمر يحسبونه هينا وهو عند الله الكبير.