بالطاعون ونتعرض هنا إلى حكم الخروج لمن وقع الطاعون في أرضه وهو فيها
ودوافع الخروج حينئذ لا تخلو عن احتمالات أربعة الخروج بدافع مصلحة ضرورية فقط أو بدافع المصلحة الضرورية والفرار أو بدافع الفرار فقط أو اتفاقا وعفوا بدون دافع
ولفظ الحديث السابق فلا تخرجوا فرارا منه يحتمل النهي عن الخروج في صورتين صورة أن يكون الدافع الفرار وحده وصورة أن يكون الدافع الفرار مع غيره وقريب منه ما رواه أحمد وابن خزيمة المقيم في الطاعون كالشهيد والفار منه كالفار من الزحف ولا خلاف في النهي عن الخروج فرارا وهو حين يتمحض أشد منعا منه حين تشترك معه مصلحة فالفرار معناه ضعف الإيمان بالقضاء والقدر والله تعالى يقول {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة} وما أكثر الذين يموتون على فراشهم دون طاعون وما أكثر الذين يفاجأون بالموت في طريقهم دون أمراض ولكل أجل كتاب إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
وماذا يفيد الحرص على الفرار من الوباء إذا كنا نؤمن بأن الله هو الذي أعدى الأول من المصابين
ومع ذلك فالخروج من أرض الطاعون يعرض من هم خارج الأرض للخطر ويتسبب في انتشار الوباء واتساع رقعته ودرء هذا مصلحة عامة واجبة الرعاية وإن لم ينص عليها الحديث صراحة لكن إذا جعلنا قيد فرارا قيدا لما هو الشأن والغالب واعتمدنا الحكم بدونه كما في قوله تعالى {لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} كان الخروج منهيا عنه سواء كان من دافعه الفرار أم لم يكن