قول ابن عباس لما قرأ قوله تعالى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} نعمت الصفقة أنفس هو خالقها وأموال هو رازقها ثم يمنحنا عليها الجنة حقا نعمت الصفقة الرابحة على أنه تعالى هو المتفضل في الحقيقة بالثمن جميعا وهو الموفق للعمل والمعين عليه فلا جرم أن يكون دخول الجنة بفضله ورحمته وهذا الوجه أحسن الوجوه
ومنها أن أصل دخول الجنة بالفضل وعليه يحمل الحديث وأن المنازل والدرجات بالعمل وعليه تحمل الآيات
ومنها أن الفوز بالجنة ونعيمها إنما هو بالفضل والعمل جميعا فقوله تعالى {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} أي مع فضل الله ورحمته وقوله صلى الله عليه وسلم "لن يدخل أحدا عمله الجنة" أي مجردا عن فضل الله تعالى فالآية لم تذكر الفضل لئلا يتكلوا والحديث اقتصر عليه لئلا يغتروا وإنما خص الرسول نفسه بذكر التغمد بالفضل ولم يقل إلا أن يتغمدنا الله لأن تغمد الله له بالرحمة مقطوع به ولأنه إذا كان دخوله صلى الله عليه وسلم موقوفا على فضل الله فغيره بالطريق الأولى واستشكل تعليل النهي عن تمني الموت بازدياد الخير إن كان محسنا استشكل هذا بأنه قد يعمل السيئات فيزيده طول عمره شرا وأجيب بأن الخطاب للمؤمن الكامل الساعي في ازدياد ما يثاب عليه قال الحافظ ابن حجر وفيه بعد وقيل إن المؤمن بصدد أن يعمل ما يكفر ذنوبه إما من اجتناب الكبائر وإما من حسنات آخر قد تقاوم بتضعيفها سيئاته وما دام الإيمان باقيا فالحسنات بصدد التضعيف والسيئات بصدد التكفير وخير ما قيل في هذا الإشكال أن الحديث خرج مخرج تحسين الظن بالله وأن المحسن يرجو من الله الزيادة بأن يوفقه إلى المزيد من عمله الصالح وأن المسيء لا ينبغي له القنوط من رحمة الله ولا قطع رجائه يدل على ذلك التعبير بلفظ "لعل" المشعر بالوقوع غالبا لا جزما