"بلاد الرافدين"، وبالتحديد من مدينة "أوردا السومرية يقال له (إبراهيم بن آزر)، فدعى إبراهيم الناس إلى توحيد اللَّه، ليصبح العرب بعد ذلك موحدين، فسُمّي من كانوا على دين إبراهيم بـ "الحنيفيين"، ولكن مع مرور السنين ذهب رجلٌ من قبيلة خزاعة اسمه (عمرو بن لحي الخزاعي) في تجارة للشام، فرأى هناك أناسًا يسجدون للأصنام، فلما أنكر عليهم عبادتهم للأصنام من دون اللَّه قالوا له: إننا لا نعبد الأصنام كحجارةٍ وإنما نتقرب إلى اللَّه بأرواح الأولياء والصالحين التي تسكن بداخل هذه الأصنام، فراق لعمرو هذا التفسير، وطلب منهم أن يعطوه صنمًا، فأعطوه صنمًا يسمونه (هُبل)، فأخذه لقومه ونشر عبادة الأصنام بين العرب.
ولنا وقفة بسيطة هنا. . . . كما نرى من هذه القصة أن العرب كانوا يعرفون أن اللَّه هو الخالق، ولكن مشكلتهم كانت تتمثل في كونهم كانوا يتقربون إلى اللَّه بتلك الأصنام! وإذا كنت تستهجن على العرب القدامى عبادتهم للأصنام، فاسأل نفسك أسئلة تعرف أنت وحدك إجابتها: هل تتقرب إلى اللَّه بقبور الأولياء الصالحين كما تقرب العرب إلى اللَّه بالأوثان؟ هل تدعو (السيد البدوي) لكي يزوج لك ابنتك؟ هل تستغيث بـ (المرسي) لكي يفرج عنك الكرب؟ هل تطلب المدد من رسول اللَّه؟ هل تقول (واللَّه) أم تقول (والنبي) عند حلفانك؟!
المهم أن زيد بن عمرو أنكر على العرب عبادتهم للأصنام، وأنكر عليهم أيضًا عادة وأد البنات، فكان رحمه اللَّه يذهب إلى الرجل الذي يريد وأد ابنته فيقول له: لا تقتلها واتركها تعيش وأنا أكفيك مؤونتها! ثم بعد ذلك قرر زيد بن عمرو الرحيل إلى الشام لكي يفتش عن دين التوحيد الذي توصل إليه بعقله، وفي الشام لم يقتنع بدين اليهود، ولم يقتنع بدين النصارى أيضًا، ولكن عالمًا من اليهود وآخر من النصارى أخبراه أن دين التوحيد الذي ينشده هو دين إبراهيم الحنيف الذي لم يكن يعبد إلا اللَّه، عندها رفع زيد يديه إلى السماء وقال مناجيًا ربه: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم. ثم رجع زيد إلى مكة، فأسند ظهره إلى الكعبة وصاح في الناس: "يا معشر قريش! واللَّه ما منكم على دين إبراهيم غيري" ثم وقف هذا العملاق الإسلامي حائرًا لا يعرف كيف يصلي للَّه، فأخذ يبكي من الحيرة وهو يقول: "اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به