هذا الاجتهاد، وكان الصواب أن يبايعوا عليًا -رضي اللَّه عنه-، ثم بعد ذلك يطالبوا بالثأر لعثمان -رضي اللَّه عنه- بعد أن تهدأ الأمور، ويستطيع المسلمون السيطرة على الموقف، لكن معاوية -رضي اللَّه عنه- كان على إصرار شديد على أن يأخذ الثأر أولًا قبل البيعة، حتى وإن أخذ علي -رضي اللَّه عنه-. الثأر بنفسه من القتلة فلا بأس، المهم أن يقتل القتلة، وقال معاوية -رضي اللَّه عنه-: إن قتلهم علي بايعناه! فأرسل علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- إلى معاوية بن أبي سفيان -رضي اللَّه عنه-. يحثّه على مبايعته لئلا يكون خارجًا عليه، لكن معاوية -رضي اللَّه عنه- يرى باجتهاده أن عدم الأخذ بثأر عثمان -رضي اللَّه عنه- مخالفة لكتاب اللَّه، وأن من خالف كتاب اللَّه لا تجوز مبايعته، ولم يكن في تفكير معاوية -رضي اللَّه عنه- خلافة، ولا إمارة كما يُشاع في كتب الشيعة، بل وفي كتب بعض أهل السنة الذين ينقلون دون تمحيص أو توثيق، فأرسل علي -رضي اللَّه عنه- ثلاث رسائل إلى معاوية -رضي اللَّه عنه- دون أن يرد معاوية، إلا أنه أرسل لعلي -رضي اللَّه عنه- رسالة فارغة، حتى إذا فتحها أهل الفتنة في الطريق لا يقتلون حاملها، ودخل حامل الرسالة على علي -رضي اللَّه عنه- مشيرًا بيده أنه رافض للبيعة، فقال لعلي -رضي اللَّه عنه-: أعندك أمان؟ فأمّنه عليّ -رضي اللَّه عنه-. فقال له: إن معاوية يقول لك: إنه لن يبايع إلا بعد أخذ الثأر من قتلة عثمان، تأخذه أنت، وإن لم تستطع أخذناه نحن. فرفض ذلك علي -رضي اللَّه عنه-، وقال: إن معاوية خارجٌ عن الولاية، ومن خرج يُقاتَل بمن أطاع. فقرر -رضي اللَّه عنه- أن يجمع الجيوش، ويتوجه بها إلى الشام، وإن لم يبايع معاوية -رضي اللَّه عنه- يُقاتَل، وخالفه في ذلك ابنه الحسن -رضي اللَّه عنه- وعبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنه-، فقد قال الحسن -رضي اللَّه عنه-: "يا أبتِ، دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين ووقوع الاختلاف بينهم" لكن عليًا -رضي اللَّه عنه- أصرّ على القتال واستعد للخروج إلى الشام.
في هذا الوقت كانت السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي اللَّه عنها- بمكة، معها جميع زوجات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عدا السيدة أم حبيبة، فقد كانت بالمدينة، فاجتمعت بطلحة بن عبيد اللَّه، والزبير ابن العوام، والمغيرة بن شعبة رضي اللَّه عنهم جميعًا، واجتمع كل هؤلاء الصحابة، وبدءوا في مدارسة الأمر وكان رأيهم جميعًا -وكانوا قد بايعوا عليًا -رضي اللَّه عنه- أن هناك أولوية لأخذ الثأر لعثمان، وأنه لا يصح أن يؤجل هذا الأمر بأي حال من الأحوال، وقد تزعّم هذا الأمر الصحابيان طلحة بن عبيد اللَّه، والزبير بن العوّام -رضي اللَّه عنه-. ورأى الجميع أن بيعة علي لا تتم إلّا بعد أن ينفذ علي بن أبي طالب ما أمر اللَّه به في كتابه