بالأخذ بالقصاص من القتلة، فخرجت أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير -رضي اللَّه عنهم- إلى البصرة لقتل الخونة من أهل العراق وإنهاء القضية من جذورها قبل أن تتطور، وتوجه علي إلى العراق ليتباحث مع أمه عائشة وإخوانه من الصحابة في سُبل الإصلاح. فاجتمع الفريقان (عائشة وطلحة والزبير من جهة، وعلي من جهة) في العراق ليتباحثا في سُبِل الأخذ بدم عثمان، وأوشك الطرفان فعلا على إيجاد حل لهذه المسألة، ووافق عليٌ على إبعاد كل مجرمٍ ممن شارك في قتل عثمان من جيشه، فأصبح القتلة معزولون وحدهم، واتفق المسلمون على عقد الصلح في اليوم التالي، فعقد أولئك المجرمون اجتماعًا سريًا بعد أن أدركوا أن عليًا سيصالح أمه عائشة ومعها طلحة والزبير، فتشاوروا في الأمر، فقال بعضهم: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلحوا على دمائنا، فإن كان الأمر هكذا ألحقنا عليا بعثمان! عند هذه الأثناء يظهر ذلك الشيطان الذي تحدثنا عنه سابقًا، لقد ظهر (عبد اللَّه بن سبأ) من بين القتلة وقال لهم: لو قتلتموه لاجتمعوا عليكم فقتلوكم. فقال أحدهم: دعوهم وارجعوا بنا كلٌ إلى قبيلته، فيحتمي بها، فوقف اليهودي عبد اللَّه بن سبأ مرة أخرى ليقول لهم: لو تمكّن علي بن أبي طالب من الأمر لجمعكم بعد ذلك من كل الأمصار وقتلكم! ثم وقف عبد اللَّه بن سبأ أمامهم وكأنه إبليس أبو الشياطين فقال لهم وهم يبتسم ابتسامة خبيثة: "ليس هناك حلٌ إلّا أن أن تشعلوا نار الفتنة من جديد بين جيش علي وجيش عائشة قبل أن يعقدوا الصلح غدًا كما هو متفق، فلتذهب مجموعة منكم في عتمة الليل ولتتوجه إلى جيش علي، وفئة أخرى إلى جيش عائشة، وتبدأ كل فئة في القتل في الناس، وهم نيام، ثم يصيح من ذهبوا إلى جيش علي ويقولون هجم علينا جيش عائشة، ويصيح من ذهب إلى جيش عائشة ويقولون: هجم علينا جيش علي"!
وفعلًا نجحت خطة ذلك اليهودي ابن السوداء في إحداث الفوضى، وقتل حواري رسول اللَّه الزبير ابن العوام، ثم قتل طلحة بن عبيد اللَّه وهو يقاتل بيدٍ واحدة بعد أن شلت يده الأخرى وهو يدافع بها عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أحد، ونظر علي لدماء المسلمين وهي تسيل فصرخ علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- في الناس أن كُفّوا، فلم يستمع أحدٌ إليه في معمعة المعركة، ثم أخذ يبكي وهو يقول: يا ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة. فعاود النداء