للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا أن يسمعني قولك، فسمعته قولا حسنا، فأعرض علي أمرك" فعرض عليه رسول اللَّه الإِسلام وتلا عليه القرآن، ويقول الطفيل وهو يروي هذه القصة: "فلا واللَّه ما سمعت قولًا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه، فأسلمت، وشهدت شهادة الحق". وبعد ذلك رجع الطفيل بن عمرو الدوسي إلى اليمن وأخذ يدعو قومه للإسلام، حتى جاءت السنة السابعة للهجرة، فتفاجأ المسلمون بمجيئ الطفيل بن عمرو الدوسي بسبعين عائلة من أهل اليمن أسلموا كلهم على يديه! كان من بينهم شاب نحيل لم يتجاوز الـ ٢٦ من عمره تبدو عليه ملامح الفقر المتقع والبؤس الشديد اسمه: (عبد الرحمن بن صخر الأزدي)، كانت له هرة صغيرة يحملها على كتفيه يطعمها ويعطف عليها، ستصبح فيما بعد أشهر هرةٍ خلقها اللَّه منذ بداية الخلق، فلقد كنّى الناس هذا المسكين بـ (أبي هريرة)، وهو نفس الاسم الذي سيتردد بعد ذلك في سجل العظماء إلى يوم القيامة. وقبل أن نغوص أكثر في قصة هذا الشاب الرائع، أستسمح القارئ الكريم عذرًا لنقف قليلًا عند قصة إسلام السيد العظيم الطفيل ابن عمرو الدوسي رضي اللَّه عنه وأرضاه، والحق أقول أن هذه القصة لها دلائل عظيمة يصعب حصرها, ولكن الملاحظة المهة هي أن الكفار شوّهوا صورة الإِسلام وصورة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لدرجة دفعت هذا السيد الشاعر أن يحشو أذنيه بالكرفس خوفًا من ذلك الرجل المسلم الذي صورته "وكالات الأنباء القرشية" بـ "الإرهابي الخطير! "، فلم يكتفِ اللَّه سبحانه وتعالى بأن جعله مسلمًا فحسب، بل جعله سببًا لإسلام أبي هريرة، أعظم "وكالة أنباء" إسلامية في التاريخ الإِسلامي بأسره! وكأن هذه القصة تفسر قول اللَّه تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} ولاحظ هنا أن اللَّه قال "بأفواههم"، والفوه -أي الفم- هو مصدر الكلام والدعايات، فما أشبه اليوم بالأمس! فلا تكاد تجد وسيلة إعلام عالمية حتى تجد أمامك تشويه مخيف لصورة المسلمين، فأبشروا عباد اللَّه بفتحٍ قريب، كالفتح الذي جاء به الطفيل بن عمرو الدوسي جزاه اللَّه خيرًا، والذي ربّما لو لم تذكر له قريش محمدًا، لما استمع إليه أصلًا، ولما جاء بعد ذلك بأبي هريرة أكثر من نقل حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على وجه البرية. وإذا كان المرء قد تعجب من قصة "ذي النور" الطفيل ابن عمرو الدوسي رضي اللَّه عنه وأرضاه، فإن المرء ليتعجب أكثر من قصة أبي هريرة نفسه! فعبد الرحمن

<<  <   >  >>