بثيابه الممزقة يستوضح منه خبر النصر، حتى وصل الفارس العربي إلى المدينة، ووصل بعده بلحظات ذلك الشيخ الفقير وأنفاسه كادت تنقطع بعد أن تلطخت ثيابه البالية بالتراب الذي أحدثه غبار الناقة، فنظر المسلمون الملتفون حول الفارس العربي إلى ذلك الشيخ وقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين! فصُعق الفارس من شدة الصدمة، وتمنى أن لو ابتلعته الأرض في قفارها، فلقد كان ذلك الشيخ ذو الثياب الممزقة والذي تركه يجري وراءه في صحراء العرب المحرقة كالطفل الذي يجري وراء أمه هو نفسه خليفة رسول اللَّه وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي مزقت جيوشه للتو جيوش أعظم إمبراطورية عرفتها القارة الآسيوية! فحاول أن يعتذر إليه وعمر يأخذ أنفاسه بعد تلك الجولة الماراثونية في الركض قبل أن يبتسم في وجه ذلك البشير ويقول له: لا عليك يا أخي!
اللَّه! اللَّه! ما أعظم الإِسلام!
فواللَّه لقد قرأت تاريخ الإغريق القدماء، وتاريخ الفراعنة، وتاريخ الرومان بشقيه الشرقي والغربي، وتاريخ فارس، والهند، والجزر اليابانية، والصين، وأوروبا، وأمريكا، فما وجدت تاريخًا قط بعشر معشار عظمة التاريخ الإِسلامي المجيد، فأين فرعون مصر "خوفو بن سنفرو" الذي استعبد شعبه لمدة ١٠ سنوات من أجل أن يبنوا له قبرًا من عمر بن الخطاب ذي الثياب الممزقة؟ وأين "كسرى أنوشروان" إمبراطور الفرس الذين كان يفرض على الوزراء من حوله لبس الكممات كي لا يلوثوا الهواء من حوله من عمر بن الخطاب الذي ملأ الغبار أنفه وهو يجري وراء ناقة بشير القادسية؟! وأين إمبراطور الرومان "فِسبازيانوس" الذي بني أكبر مسرح في الأرض لكي يشاهد الأسود وهي تمزق العبيد بأنيابها من عمر بن الخطاب الذي كان يذهب فجر كل يوم لعجوزٍ عمياء ليكنس لها بيتها ويطبخ لها طبيخها؟!! فواللَّه إن تاريخ الإِسلام لعظيم، وإن تاريخهم لقذر، وإننا أولى الناس برفع رؤوسنا عاليًا به!
وقبل أن نتكلم عن "القادسية" والتي تُعتبر مع شقيقتها التوأم "اليرموك" وأختهما الكبرى "اليمامة" أعظم معارك أمة محمد بعد انقطاع الوحي، ينبغي علينا أن نتكلم عن البطل الذي حقق اللَّه على يديه ذلك النصر العظيم، فلِتصمت الحناجر، ولتخشع