القلوب، ولتشخص الأبصار، فنحن في صدد الحديث عن خالِ رسول اللَّه، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين للإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب قبل موته، وأول من رمى سهمًا في تاريخ الإِسلام، وأحد البدريين، وأحد الـ ١٤٠٠ صحابي من أصحاب بيعة الرضوان، وصاحب الدعوة المستجابة، والذي فداه النبي بأبيه وأمه، إنه القائد الذي حطم أسطورة فارس بكتائب الخلاص، إنه رمز البطولة والإخلاص، إنه البطل سعد بن أبي وقاص!
والحقيقية أنني لم أحتر في إيجاد مقدمة أدخل بها لقصة بطلٍ من أبطال الكتاب المائة بمثل ما احترت في إيجاد مقدمة أقدِّم بها هذا الصحابي العظيم، فقصص بطولاته ليست فقط كثيرة، بل هي بالإضافة إلى ذلك بالغة العظمة، فصار من الصعب بل من المستحيل الاختيار ما بينها، فضلًا من أن أستطيع إن أحصرها! إلا أنني أرى في القصة التالية أمرًا يمكنه أن يفسر لنا كيفية تكون شخصية هذا العملاق الإِسلامي العظيم، فهذه القصة حدثت معه في أخطر سنٍ يمر به الإنسان، وهي المرحلة التي يبين فيها علماء النفس المعاصرون أنها السنن التي يبني فيها الإنسان شخصيته التي سترافقه طيلة حياته، هذه السنن سماها العلماء النفس بـ "سن المراهقة" وهي الفترة العمرية من سن ١١ سنة إلى سن ٢١ سنة، وسُميت بذلك لقربها من مرحلة النضوج الفكري، ففعل "راهق" بالعربية يعني اقترب من الشيء.
فعندما كان سعد بن أبي وقّاص مراهقًا في السابعة عشرة من عمره، أسلم هو وأربعة من المبشرين بالجنة على يد أبي بكر جزاه اللَّه كل خير، عند ذلك علمت أمه بإسلامه، وقد كان يحبها أكثر من نفسه، فحاولت رده إلى دين الأجداد دون جدوى، فلمَّا أخفقت جميع محاولات رده وصده عن الإِسلام، لجأت أمه إلى وسيلة لم يكن أحد يشك في أنها ستهزم روح سعد وترد عزمه إلى وثنية أهله وذويه. فلقد أعلنت إمه إضرابها الكلي عن الطعام والشراب حتى يعود سعد إلى وثنيته، أو تموت هي فيعايره العرب بأنه سبب موت أمه! ومضت هذه الأم في تصميم مستميت تواصل إضرابها عن الطعام والشراب حتى وصلت على الهلاك. وحين كانت تشرف على الموت، أخذه بعض أهله إلى أمه