ليلقي عليه انظرة الوداع الأخيرة، مؤملين أن يرق قلبه حين يراها في سكرة الموت، فذهب سعد ورأى مشهد أمه وهي تموت ببطء، وانتظر الناس أن يستجيب لأمرها لعلمهم بحبه العظيم لأمه، فنظر سعدٌ إليها وهي تأن وقال لها:
"واللَّه يا أمّه. . . . لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني هذا لشيء، فكلي ان شئت أو لا تأكلي! "
فلمَّا رأت أمه هذا الإيمان العميق من ولدها عدلت عن صومها، فنزل الملك جبريل بوحي من السماء إلى الأرض بكلماتٍ قالها الرب الذي خلق الكون يخلّد لسعدٍ هذه القصة في قرآن ستتلى آياته إلى يوم القيامة:
ومن مرحلة المراهقة إلى مرحلة الشباب، ففي ليلة من الليالي، أرِق رسول اللَّه ولم يستطع النوم، خوفًا من غدر المشركين به وهو نائم، فيضيع بذلك الإسلام قبل أن يوصل رسالته للبشر، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعائشة:"لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُني اللَّيْلَةَ" فما إن فرغ رسول اللَّه من قولته تلك حتى سمع الرسول وزوجه الطاهرة صوت خطوات تقترب من البيت في الخارج ويقترب معها صوت السلاح، فنادى رسول اللَّه قائلًا:"مَنْ هَذَا؟ ". فجاء الصوت من الخارج:"أنا يَا رَسُوْلَ اللَّهِ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَاصٍ" فقال له الرسول: "ما الذي جاء بك؟ " فقال سعد: "وقع في نفسي خوفٌ على رسول اللَّه فجِئْتُ احْرُسُه الليلة! " ففرح رسول اللَّه بهذا الصاحب الوفي، فَنَامَ بأبي هو وأمي مطمئنًا حتى سَمِعْت عائشة غَطِيْطَهُ!
والآن وبعد أن رأينا كيفية تكون شخصية هذا القائد الإسلامي العظيم، جاء الوقت لنستعرض معًا بعضًا من بطولاته الأسطورية الحية. . . . .
ففي بدرٍ: كان سعد بن أبي وقاص أول من رمى بسهمٍ في سبيل اللَّه في تاريح أمة محمد، وقد كان رسول اللَّه يقول لسعد:"اللهم أجب دعوته وسدد رميته" فكان إذا دعا أتت الإجابة من السماء كفلق الصبح، وكان إذا رمى لا تخطئ رميته البتة، حتى قال أحدهم:"إني لأظن سعدًا لو رمى في المشرق يريد المغرب لأوقعها اللَّه في المغرب! "