وأذكر أنني شاركت ذات مرة في برنامجٍ إعلامي لقناة أجنبية كان السؤال فيها يدور حول إستعداد العرب للتحول لاستراتيجية (غاندي) السلمية في المطالبة بالحقوق الوطنية بدلًا من العنف "المقاومة"، فكان تعليقي بسيطًا للغاية حين قلت للمذيع: إذا كانت طريقة (غاندي) قد نجحت في الهند، فطريقة (مانديلا) التي تستخدم العنف قد آتت أكلها أيضًا في جنوب أفريقيا! فالشعب الواقع تحت الاحتلال هو الشعب الوحيد الذي يحق له أن يختار طريقة المقاومة التي تناسبه، فالمحتَل (اسم مفعول) لا المحتَل (اسم فاعل) هو صاحب القرار الأول والأخير في اتباع المنهج الذي يناسبه!
ومحمد علي جناح الذي لا يعرفه أكثرنا كان قائد المسلمين في الهند، وعندما نقول الهند في ذلك الوقت فإننا نقصد بها شبه القارة الهندية، والتي تضم الآن كلًا من "الهند" و"باكستان" و"بنغلادش". فقد رأينا فيما سبق أن المسلمين هم الذين كانوا يحكمون الهند لأكثر من ألف سنة، إلا أن الوضع تغير بوصول المنصر الصليبي البرتغالي (فاسكو دي غاما) عام ١٤٩٨ م إلى سواحل الهند، ليقيم جيوبًا للبرتغاليين في أرض الهند الإسلامية، وبعد ذلك دخل الإنجليز إلى الهند تحت مسمى (شركة الهند الشرقية) (Honourable East India Company)، لتكون هذه الشركة نواة لفترة استعمارية "استخرابية" طويلة دامية في شبه القارة الهندية. وفي نهاية القرن التاسع عشر تحرك الهنود لنيل حقوقهم الوطنية، فكان المسلمون الهنود هم دعاة الاستقلال، قبل أن ينضم الهندوس إلى تلك الحركة التحررية، فأسس الهنود المسلمون والهندوس "المؤتمر الوطني الهندي" الذي أعلنوه عام ١٨٨٤ م. لتبدأ عملية المطالبة بالاستقلال، برز على ساحتها أولًا محامي مسلم فصيح اللسان، قوي الشخصية، اسمه (محمد علي جناح)، قبل أن يفتح الإنجليز الأبواب لشخصية هندوسية تدعى بـ (موهانداس كارما شند غاندي) الشهير بـ (المهاتما غاندي) خوفًا منهم لبزوغ نجم القائد الإسلامي للهند! فكان جناح يدعو في بداية الأمر إلى دولة موحدة للهنود متساوية الحقوق، إلا أن الأغلبية الهندوسية كانت ترفض إعطاء الأقلية المسلمة (كانت تبلغ وقتها ١٠٠ مليون!) حقوقًا متساوية مع الهندوس، وبعد أن لاحظ القائد الإسلامي محمد علي جناح تحيز بريطانيا