وانتصف الليل. . . . . والعاصفة في الخارج تزداد شدة وهيجانًا، وصاحبنا ما زال يعمل كالأعمى يتحسس البضائع الملقاة في تلك الغرفة الموحشة، وكأن مدير المصنع تذكر هذا المخزن المهجور بعد سنينٍ طويلة من إقفاله، ليستغل حاجة هذا الشاب المعدم للمال في تنظيفه تلك الغرفة. وعندما أوشك الشاب المسكين على الوقوع أرضًا من شدة الجوع والتعب، حدث شيءٌ غريب!! فلقد ارتطمت قدماه بجسمٍ مجهولٍ على الأرض، فرفعه بيديه ليكتشف أنه كتابٌ ملقى في ثنايا الصناديق المهملة، فحاول عبثًا أن يقرأ عنوان ذلك الكتاب مستعينًا بضوء البرق المنعكس على الغرفة، ولكن دون جدوى، فلم يكن وميض البرق الخافت كافيًا لكي يميز من خلاله الحروف المنقوشة على الغلاف المتهالك لذلك الكتاب القديم، ولكن فضول الشاب وشغفه الشديد بالقراءة دفعه إلى يحمل الكتاب ويذهب به إلى تلك النافذة التي طرحته أرضًا من قبل، ليقاوم بجسمه النحيل قوة الرياح المندفعة من خلالها، منتظرًا ظهور البرق في سماء تلك الليلة الليلاء، علَّه يستطيع بذلك قراءة عنوان الكتاب، وبعد طول انتظار. . . . سقط نصلٌ لامعٌ من البرق، وكأنه سهمٌ انطلق من قوسٍ في علياء السماء، ليستقر على ذلك الكتاب بالتحديد، لتصبح الحروف المنقوشة على غلافه وكأنها حروفٍ من نور انعكست في عيني ذلك الشاب، فلقد ظهر للشاب الفقير أن اسم ذلك الكتاب هو "إظهار الحق"! وهو نفسه الكتاب الذي سيغير من حياته رأسًا على عقب بعد قراءته، ليتحول بعدها ذلك الشاب المسكين المعدم الذي لا يملك قوت يومه، إلى بطلٍ عظيمٍ من عظماء أمة الإسلام، يملأ عبقه الآفاق ذكرًا وشهرة، ليغير بعد ذلك مجرى التاريخ الإنساني إلى الأبد، فلقد كانت هذه الليلة العاصفة وتلك الغرفة المظلمة بداية الانطلاق لأسطورةٍ إسلاميةٍ حيةٍ اسمها: الشيخ أحمد ديدات!
قبل ذلك بنحو قرنٍ ونصف من الزمان، وُلد مؤلف هذا الكتاب في الهند في غرة جمادى الأولى سنة ١٢٣٣ هـ الموافق التاسع من مارس سنة ١٨١٨ م، وهو الشيخ (محمد رحمت اللَّه -بالتاء المفتوحة- ابن خليل الرحمن الكيرانوي العثماني الأموي الهندي ثم المكي)، ونسبه الأموي ينتهي إلى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه- عند الجد الرابع