كل العيب أن ندفن رؤوسنا في الرمال ومائة ألفٍ من أصحاب محمدٍ يُلعنون من شذّاذ الآفاق في فارس وأتباعهم، فواللَّه لن أكفنَّ عنهم إلا إذا كفّوا عن لعن أصحاب نبيّنا، فإن كفوّا نكف. . . . . وإلا فلا كرامة!
وبالفعل. . . . حرَّك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جيشًا مكونًا من ٣٠٠٠٠ مجاهدٍ هو أكبر جيشٌ جمعته العرب في تاريخها، فتوجه به نحو "تبوك" لملاقاة الروم، فكانت المفاجأة. . . . لقد هرب الروم!!! فظل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في تبوك لثلاثة أيامٍ معسكرًا ليثبت للروم أنه ينتظرهم بدون أي خوف، ولكن أحدًا منهم لم يظهر، لينتصر المسلمون في معركة تبوك الخالدة بدون قتال!
وليتحملني القارئ الكريم هذه المرة أيضًا، فقد شارف الكتاب على الانتهاء، وعندها سيرتاح القارئ من الكاتب ووقفاته المتكررة، فهناك ملاحظة مهمة لا يجب أن تفوت علينا: فلماذا شارك الإمبراطور الروماني بنفسه مع ما يقرب من ربع مليون مقاتل في قتال سرية صغيرة من ثلاثة آلاف مسلم، في الوقت الذي يمتنع فيه عن قتال رسول الإسلام نفسه الذي جاءه بقدميه؟ بل حتى تجنب إرسال كتيبة لقتالهم؟! الحقيقة أن الجواب ينقسم إلى شقين اثنين:(الأول) الرعب الذي ملأ قلب الرومان بعد رؤيتهم لبسالة جيش مؤتة والفرسان الثلاثة، فلقد انتصر ثلاثة آلاف مسلم فقط على ما يقرب من ربع مليون نصراني في مؤتة، فما بالك بجيش تبوك الذي كان عشرة أضعاف جيش مؤتة؟!! (ثانيًا): رأينا من القصة التي رواها الصحابي الجليل أبو سفيان بن حرب والتي أخرجها البخاري في صحيحه، أن هرقل كان مؤمنًا تمام الإيمان بنبوة رسول اللَّه، إلا أنه ضنَّ بملكه، ففضل الدنيا على الآخرة، فلما علم القيصر أن رسول اللَّه جاء بنفسه على رأس جيشٍ لقتاله، ولّى القهقرة، ولم يعقب!
والآن لنبقى مع قصة المخلفين الثلاثة، فمتى ذكِرت غزوة تبوك ذكِر معها ذلكم الحدث العظيم، الذي عاشته المدينة وتقلبت مع أحداثه خمسين ليلة، إنه خبر الثلاثة الذين خلفوا:(كعب بن مالك ومرارة ابن الربيع وهلال بن أمية)، وهؤلاء الثلاثة كانوا الوحيدين من بين المؤمنين الذين تخلفوا عن الجيش، لا عن نفاق أو جبن، بل بسبب التسويف، ولنترك الحديث للشاعر كعب بن مالك ليروي لنا فصول تِلكم الواقعة: