الوجه الثاني: أنَّ همزة الاستفهام مزحلقةٌ عن محلِّها، وأنَّها متأخرةٌ بعد الفاء إلا أنَّها قُدِّمت عن محلِّها؛ لأن للاستفهام صدر الكلام، وعلى هذا فالمعنى: فأتطمعون، فتكون الجملة معطوفة بالفاء على ما قبلها كأن المعنى: فأعطف على ذلك إنكار طمعكم في ما لا طمع فيه فيكون المعنى: فأتطمعون أنْ يؤمنوا لكم، والحال قد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه، التَّحريف يعني: وضعُ الشَيء في غير موضعه يسبقه أنْ يبدلوه بما ليس منه، وأنْ يُغَيِّروه، وأنْ يحملوه على غير محمله إلى غير ذلك من أنواع التَّحريف.
وقوله:{مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ}؛ أي: أدركوه بعقولهم، العَرَب تقول: عقلتُ الأمر أعقله إذا أدركتُهُ بعقلي، والعقل: نورٌ روحاني تُدرك به النفس العلوم الضَّرورية والنظرية، ومحلُّهُ القلب كما نَصَّ عليه الكتاب والسُّنة لا الدِّماغ كما يزعمه الفلاسفة، وبحوث العقل بحوث فلسفية لا طائل تحتها، فللفلاسفة في