بحث العقل ما يزيد على مائة طريق من جهة البحث في العقل هل هو جوهرٌ أو عرضٌ، والكلام على العقول العشرة، والعقل الفَيَّاض كله بحثٌ فلسفي لا طائل تحته.
وإنما قال -عزَّ وجلَّ-: {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}؛ أي: تدركون بعقولكم؛ لأن العقل نورٌ روحاني تُدْرِكُ به النَّفسُ العلومَ الضَّرورية والنَّظرية، ودلَّ القرآن على أنَّ محله القلب لا الدِّماغ لأن الله يقول:{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}[الحج: ٤٦]، ولم يقل: أدمغة يعقلون بها، ويقول:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}[ق: ٣٧]، ولم يقل: لمن كان له دماغ، وفي الحديث الصَّحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجَسَدِ مضغة إذا صلحتْ صلحَ الجسدُ كلُّهُ، وإذا فَسَدَت فَسد الجسدُ كُلُّهُ، ألا وهي القلب"، ولم يقل: ألا وهي الدِّماغ.
وجَمَعَ بعض العلماء بين قول أهل السُّنة وقول الفلاسفة بأنْ قال: إنَّ أصل العقل في القلب كما في الكتاب والسُّنة إلا أن نورَهُ يتَّصل شُعاعُهُ بالدِّماغ، واستدلوا على هذا بدليل استقرائيِّ عاديِّ، قالوا: في العادة المطّردة والاستقراء أنَّك لا تجد رجلا طويلَ العُنُقِ طولًا مفرطًا إلا كان في عقله بعضُ الدَّخَن لبعد ما بين طرفي شعاع نور عقله.