والتحقيق أن العقل في القلب كما دَلَّ عليه الوحي، واستدلوا بأن كلَّ ما يؤثِّر على الدّماغ يُؤثّر على العقل، وهذا لا دليل فيه لإمكان أنْ يكون العقل في القلب كما هو الحق، وسلامتُهُ مشروطة بسلامة الدِّماغ، وهذا لا إشكال فيه، والعقل الصَّحيح هو الذي يعقلُ صاحبَهُ عن الوقوع فيما لا ينبغي، كما قال جلَّ وعلا عن الكفّار:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك: ١٠] أمّا العقل الذي لا يزجر عما لا ينبغي فهو عقلٌ دنيويٌّ يعيش به صاحبه، وليس هو العقل بمعنى الكلمة.
وقوله جلَّ وعلا:{وَهُمْ يَعْلَمُونَ} جملة حالية يعني أنَّهم سمعوا كلام الله، وحرَّفوه بعد أنْ أدركوه بعقولهم وفهموه، والحال أنَّهم يعلمون أنَّهم حرَّفوه، وافتروا على الله (١). . . . فمن كان بهذه المثابة لا يطمع أحد في إيمانه. ثم إنَّ الله جلَّ وعلا ذكر طائفةً أخرى من اليهود هم منافقون في قوله: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: ٧٦ - ٧٧]