ومعلومٌ أنَّ الاستقراء: هو تتبع الأفراد حتى يغلب على ظنه [أي: الناظرٍ أن ذلك الحكم مطَردٌ في جميع الأفراد، وإيضاح هذا: أنَّ القائلين بالجمع المذكور بين الوحي وأقوال أهل الفلسفة في محل العقل؛ قالت جماعة منهم: دليلنا على هذا الجمع الاستقراء غير التام.
وذلك أنهم قالوا: تتبَّعنا أفراد الإنسان الطَّويل العُنُقِ طولًا مفرطًا زائدًا على المعهودِ زيادةً بيّنةً، فوجدنا كلَّ طويل العنقِ طولًا مفرطًا يلزمُهُ بُغدُ المسافةِ بين طريق نور العقل الكائن في القلب وبين المتصاعد منه إلى الدّماغ، وبُعدُ المسافةٍ بين طرفيه قد يؤدِّي إلى عدم تماسكهِ واجتماعهِ فيظهر فيه النقص.
وهذا الدليل -كما ترى- ليس فيه مَقْنَعٌ، وإن كان يشاهد مثله في الخارج كثيرًا.
فتحصَّل من هذا أن الذي يقول: العقل في الدِّماغ وحده وليس في القلب منه شيءٌ أن قوله في غاية البُطلان؛ لأَنه مكذِبٌ لآيات وأحاديثَ كثيرة كما ذكرنا بعضه، وهذا القول لا يتجرَّأُ عليه مسلمٌ إلا إنْ كان لا يؤمنُ بكتابِ الله، ولا بسُنَّةِ رَسولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وهو إن كان كذلك ليس بمسلم.