كبائر وصغائر، فمن ليس له إلا صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزداد في حسناته بنظير ذلك.
وقال الحافظ أيضًا في «الفتح»(٢/ ١٢) على حديث أبي هريرة يرفعه: «أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسًا»، وفيه:«فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا»، قال القرطبي: ظاهر الحديث أن الصلوات الخمس تستقل بتكفير جميع الذنوب، وهو مشكل، لكن روى مسلم قبله حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا:«الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر»، فعلى هذا المقيد يحمل ما أطلق في غيره.
فائدة: قال ابن بزيزة في «شرح الأحكام»: يتوجه على حديث العلاء إشكال يصعب التخلص منه؛ وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر وإذا كان كذلك فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ انتهى، وقد أجاب شيخنا الإمام البُلقيني بأن السؤال غير وارد لأن مراد الله {إِنْ تَجْتَنِبُوا}[النساء: ٣١]، في جميع العمر، ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت. والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها- أي في يومها- إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم، فعلى هذا لا تعارض بين الآية والحديث. اهـ. وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلص منه بحمد الله سهل، وذلك أن لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس، فمن لم يفعلها لم يعد مجتنبًا للكبائر؛ لأن تركها من الكبائر، فوقف التكفير على فعلها والله أعلم. وقد فصّل شيخنا الإمام البلقيني أحوال الإنسان بالنسبة إلى ما يصدر منه من صغيرة وكبيرة، فقال: تنحصر في خمسة:
أحدها: ألا يصدر منه شيء ألبته، فهذا يعاوض برفع الدرجات.