للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْحِكْمَةَ إِذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً مُنْضَبِطَةً نِيطَ الْحُكْمُ بِهَا دُونَ مَظِنَّتِهَا وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ بِدَلِيلِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَلِأَنَّ اللَّمْسَ مَعَ الشَّهْوَةِ هُوَ الْمَظِنَّةُ لِخُرُوجِ الْمَذْيِ وَالْمَنِيِّ فَيُقَامُ مَقَامَهُ كَالنَّوْمِ مَعَ الرِّيحِ بِخِلَافِ الْخَالِي مِنَ الشَّهْوَةِ، فَإِنَّهُ كَنَوْمِ الْجَالِسِ يَسِيرًا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْجِمَاعَ خَاصَّةً لَاكْتُفِيَ بِذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] وَلَوْ أُعِيدَ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ وَهُوَ الْجَنَابَةُ لِيَتَمَيَّزَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِيَعُمَّ الْجَنَابَةَ بِالْوَطْءِ وَبِالِاخْتِلَافِ، وَجَمِيعُ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَسُّ لِشَهْوَةٍ مُطْلَقًا مِنَ الْجِمَاعِ وَمَا دُونَهُ كَقَوْلِهِ {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] وَقَوْلِهِ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} [البقرة: ١٨٧] وَقَوْلِهِ {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ} [البقرة: ١٩٧].

وَقَوْلِهِ {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٧] وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: ٦] يَعُمُّ نَوْعَيِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَيُفِيدُ التَّيَمُّمُ لَهَا، وَيَدُلُّ عَلَى الْوُضُوءِ مَعَ الشَّهْوَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ الْمُجَامِعَ إِذَا لَمْ يُمْنِ أَنْ يَتَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ " حِينَ كَانَ " لَا مَاءَ إِلَّا مِنَ الْمَاءِ» " لَمْ يَكُنِ الْمَسُّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِمَا أَمَرَ بِذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَضَ الْغُسْلَ وَذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا وَجَبَ أَوَّلًا لَا رَفْعٌ لَهُ، وَرَوَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يُصِيبُ الرَّجُلُ مِنَ الْمَرْأَةِ إِلَّا قَدْ أَصَابَهُ مِنْهَا إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا؟ فَقَالَ: (تَوَضَّأْ وُضُؤًا حَسَنًا، ثُمَّ قُمْ فَصَلِّ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ

<<  <   >  >>