وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِنْ صَحَّ، فَمَعْنَاهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - «حَسْبُكُمْ فِي إِزَالَةِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ نَجَاسَتِهِ أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَإِنَّمَا يُخْشَى أَنْ يَكُونَ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَ الْيَدَ»، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَفْتَى أَنَّ الَّذِي يَكْفِي مِنْهُ الْوُضُوءُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا رَوَى.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: " «حَسْبُكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ» " أَيْ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ: يَكْفِيكُمْ فِي الِاسْتِحْبَابِ غَسْلُ أَيْدِيكُمْ، وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا لَا يُقَالُ بِهِ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ مِنْهُ مَشْرُوعٌ، بَلِ الِاغْتِسَالُ أَيْضًا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: يَكْفِيكُمْ فِي إِزَالَةِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنَ الْخَبَثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْأَقْيِسَةِ مُنْعَكِسٌ بِاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَحِبُّوا الْوُضُوءَ فِي تَيَمُّمِهِ، وَلَا تَغْسِيلَ الْحَيِّ، أَوِ اسْتَحَبُّوهُ هُنَا، وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، فَكُلُّ مَعْنًى اقْتَضَى الْفَرْقَ فِي الِاسْتِحْبَابِ حَصَلَ الْفَرْقُ بِهِ فِي الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ وُضُوءٌ جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ مُطْلَقًا، وَكَانَ وَاجِبًا كَالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَلَحْمِ الْجَزُورِ، بَلْ وَأَوْكَدُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَجِئْ رُخْصَةٌ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَلَا أَثَرٌ يُعَارِضُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْغَاسِلُ هُوَ الَّذِي يُقَلِّبُهُ وَيُبَاشِرُهُ وَيُعِينُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ مَرَّةً، فَأَمَّا مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ مُلَامَسَةٍ لِلْمَيِّتِ فَلَيْسَ بِغَاسِلٍ.
فَصْلٌ
" وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَهُوَ عَلَى مَا يَتَيَقَّنُ مِنْهُمَا " سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: " «شُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: " لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute