بِتَنَقُّلِهِ فِيهِ طَهَارَةٌ كَالرِّيحِ الْمُتَنَقِّلَةِ مِنَ الْمَعِدَةِ إِلَى قَرِيبِ الْمَخْرَجِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَنِيٌّ انْعَقَدَ وَأَخَذَ فِي الدَّفْقِ وَالْخُرُوجِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ خَرَجَ مِنَ الْأَقْلَفِ الْمُرْتَتِقِ إِلَى مَا بَيْنَ الْقَلَفَةِ وَالْحَشَفَةِ، كَالْمَرْأَةِ إِذَا أَنْزَلَتْ وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى ظَاهِرِ فَرْجِهَا؛ وَلِأَنَّ الِانْتِقَالَ مَظِنَّةُ الْإِنْزَالِ وَالْخُرُوجِ، فَأَوْجَبَ الْغُسْلَ كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَأَوْلَى مِنْهُ، لِأَنَّ الِانْتِقَالَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْخُرُوجُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ، بَلْ وَلَا يَعُودَ إِلَى مَحَلِّهِ. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا أَخَذْتَ فِي الْحَذْفِ وَالْفَضْخِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ الْغُسْلُ إِجْمَاعًا، وَلَا حَذْفَ وَلَا فَضْخَ هَذَا يُخَالِفُ الرِّيحَ الْمُتَرَدِّدَةُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهِ، بِخِلَافِ الرِّيحِ، فَإِنَّهَا قَدْ تَعُودُ إِلَى مَحَلِّهَا. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ، فَإِذَا خَرَجَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ سَوَاءٌ كَانَ قَدِ اغْتَسَلَ أَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ قَبْلَ الْبَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ انْتَقَلَ بِشَهْوَةٍ وَخَرَجَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُوجِبَ الْغُسْلَ، كَمَا لَوْ خَرَجَ عَقِيبَ الِانْتِقَالِ، بِخِلَافِ الَّذِي يَنْتَقِلُ بِلَا شَهْوَةٍ، وَإِذَا قُلْنَا: " يَجِبُ الْغُسْلُ " فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ فَهُوَ كَمَا لَوِ اغْتَسَلَ لِمَنِيٍّ خَرَجَ بَعْضُهُ ثُمَّ خَرَجَ بَاقِيهِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ غُسْلًا ثَانِيًا حَتَّى أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجُنُبِ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ بَعْدَ الْغُسْلِ قَالَ: " يَتَوَضَّأُ " وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ. وَلِأَنَّهُ مَنِيٌّ وَاحِدٌ فَلَا يُوجِبُ غُسْلَيْنِ كَمَا لَوْ ظَهَرَ، وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الْمَنِيُّ الْمُقْتَرِنُ بِالشَّهْوَةِ، وَهُوَ وَاحِدٌ، وَلِأَنَّ الثَّانِيَ خَارِجٌ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ خَرَجَ لِإِبْرِدَةٍ أَوْ مَرَضٍ، وَهَذَا تَعْلِيلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَقَالَ: " لَا غُسْلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مَاضِيَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدَثٌ لَيْسَ بِجَنَابَةٍ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ الْوُضُوءُ " لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ السَّبِيلِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ ثَانِيًا لِأَنَّهُ مَنِيٌّ انْتَقَلَ لِشَهْوَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute