فَكَذَلِكَ فِي إِيجَابِ الْغُسْلِ؛ وَلِأَنَّا نُوجِبُ أَمْرَهَا بِالصَّلَاةِ، فَكَذَلِكَ أَمْرُهَا بِالِاغْتِسَالِ فَإِنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهِ، وَيَجِبُ الْغُسْلُ مِنَ الْإِيلَاجِ عَلَى الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ، فَلَوْ مَكَثَ زَمَانًا لَا يَغْتَسِلُ مِنَ الْوَطْءِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْغُسْلَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْتَاطُ فِي الصَّلَاةِ فَيُعِيدُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا اسْتَفَاضَتْ بِهِ الْآثَارُ، فَلَمْ يُعْذَرْ بِهِ الْجَاهِلُ، وَلَمْ يَسُغْ فِيهِ الْخِلَافُ، نَصَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا قُلْنَاهُ فِي لُحُومِ الْإِبِلِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنَّ تِلْكَ السُّنَّةَ لَيْسَتْ فِي الشُّهْرَةِ كَهَذِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا قَالَ هَذَا فِي الْعَامِّيِّ الَّذِي لَمْ يُقَلِّدْ، وَنَصُّهُ بِخِلَافِ هَذَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ إِعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا شَكَّ فِي طَهَارَتِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ الْوُجُوبَ وَشَكَّ فِي الْأَدَاءِ الْمُجْزِئِ، فَلَا يَجُوزُ تَمَكُّنُهُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَيَجِبُ الْغُسْلُ إِذَا بَلَغَ وَلَمْ يَكُنِ اغْتَسَلَ، وَيُغَسَّلُ إِذَا مَاتَ شَهِيدًا، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ.
فَصْلٌ
فَأَمَّا الْأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ فَهِيَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يُقْصَدُ بِهِ النَّظَافَةُ لِأَجْلِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ الْمَشْرُوعِ لَهَا الِاجْتِمَاعُ الْعَامُّ فِي مَجَامِعِ الْمَنَاسِكِ، وَهُوَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالْكُسُوفِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالِاغْتِسَالُ لِلْإِحْرَامِ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَلِرَمْيِ الْجِمَارِ كُلَّ يَوْمٍ، وَلِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَهَذِهِ تُذْكَرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهَا.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يُشْرَعُ لِأَسْبَابٍ مَاضِيَةٍ، وَهُوَ غُسْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَغُسْلُ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَ مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ، وَالْغُسْلُ مِنَ الْحِجَامَةِ.
فَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ فَيُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا الِاغْتِسَالُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي الْمَشْهُورِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " وَابْنُ عَقِيلٍ: " لَا يَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute