هُنَا عَنْ قُرْبَانِ مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ يَزُولُ بِالِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ وَعَنْ مَسْجِدِهَا، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَسْجِدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى بِهِمْ وَخَلَطَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَسَبَبُ النُّزُولِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْكَلَامِ؛ وَلِأَنَّهُ أَبَاحَ الْقُرْبَانَ لِلْمُسَافِرِ إِذَا تَيَمَّمَ، وَالْمَسَاجِدُ فِي الْغَالِبِ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَمْصَارِ وَلَا مُسَافِرَ هُنَاكَ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ فِي الْغَالِبِ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ الْمَسْجِدِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْأَفْعَالُ نَفْسُهَا، فَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا مِنَ الْكَلَامِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهَا أَوْ عَنِ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، وَهَذَا أَحْسَنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩] وَقَوْلِهِ: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: ١٥٧] وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «فِي الْمَنِيِّ الْغُسْلُ " وَقَالَ: " إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» " وَلَمْ يَذْكُرِ الْوُضُوءَ. «وَسُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَيَتَوَضَّأُ الْجُنُبُ بَعْدَ مَا يَغْتَسِلُ؟ قَالَ: " يَكْفِيهِ الْغُسْلُ» ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: " إِذَا لَمْ يَتَوَضَّأِ الْجُنُبُ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ مَا لَمْ يَمَسَّ فَرْجَهُ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّ الْغُسْلَ الَّذِي وَصَفَتْهُ مَيْمُونَةُ لَيْسَ فِيهِ مَسْحُ رَأْسِهِ وَلَا غَسْلُ رِجْلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً مُكَمِّلَةً لِغُسْلِهِ، مَعَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ» " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute