أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ إِذَا تَيَمَّمَ لِلْحَدَثَيْنِ وَالنَّجَاسَةُ عَلَى بَدَنِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِهَا فِي الْمَشْهُورِ، وَإِنْ نَوَى بَعْضَهَا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا نَوَى؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَإِنَّمَا يُبِيحُ فِعْلَ الصَّلَاةِ مَعَ قِيَامِ مَانِعِهَا، فَلَا يَسْتَبِيحُ فِعْلَ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا اغْتَسَلَ لِأَحَدِ الْحَدَثَيْنِ لَمْ يَرْتَفِعِ الْآخَرُ، فَأَنْ لَا يُجْزِئَ التَّيَمُّمُ لِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ أَحْدَاثٌ كُبْرَى مِثْلَ أَنْ يُجَامِعَ وَيَحْتَلِمَ، أَوْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ حَائِضًا جُنُبًا، أَوْ صُغْرَى مِثْلَ أَنْ يَنَامَ وَيَخْرُجَ مِنْهُ نَجَاسَاتٌ، وَيَمَسَّ النِّسَاءَ، فَنَوَى بِطَهَارَتِهِ عَنْ جَمِيعِهَا - أَجْزَأَهُ، وَإِنْ نَوَى بِطَهَارَتِهِ عَنْ إِحْدَاهَا ارْتَفَعَتْ جَمِيعُهَا عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا أَحْدَاثٌ تُوجِبُ طَهَارَةً مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، فَكَفَتِ النِّيَّةُ عَنْ أَحَدِهَا، كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْحَدَثُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَنَوَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَرْتَفِعُ إِلَّا مَا نَوَاهُ إِذَا لَمْ يَدْخُلِ الْأَصْغَرُ فِي الْأَكْبَرِ بِدُونِ النِّيَّةِ، فَالنَّظِيرُ مَعَ النَّظِيرِ أَوْلَى مَعَ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِهِ: " «إِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» " وَقِيلَ: إِنْ كَانَ حُكْمُ الْحَدَثَيْنِ وَاحِدًا كَالْبَوْلِ مَعَ النَّوْمِ وَالْوَطْءِ مَعَ الْإِنْزَالِ تَدَاخَلَا، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا كَالْحَيْضِ مَعَ الْجَنَابَةِ لَمْ يَتَدَاخَلَا، وَإِذَا تَيَمَّمَ لِبَعْضِ الْأَحْدَاثِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا عَمَّا نَوَاهُ كَالْمَاءِ وَأَوْلَى، وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي فِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مَسْحٌ، فَلَمْ يُبَحْ مَا لَمْ يُنْوَ.
وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ كَالْمَاءِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ التَّطْهِيرِ فِي التَّيَمُّمِ تُغْنِي عَنْ نِيَّةِ نَظِيرِهِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِفَرْضٍ اسْتَبَاحَ فَرْضًا آخَرَ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِنَفْلٍ اسْتَبَاحَ نَفْلًا آخَرَ؛ لِأَنَّ مَمْنُوعَاتِ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ هِيَ مَمْنُوعَاتُ الْحَدَثِ الْآخَرِ بِعَيْنِهِ، بِخِلَافِ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute