فَصْلٌ
وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْكَلَامُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْحَدَثِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: " «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ. قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَحَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، لَكِنْ يُكْرَهُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ مَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِزَالَةِ طَهَارَةٍ يُمْكِنُ إِبْقَاؤُهَا وَالتَّعَرُّضُ لِإِصَابَةِ النَّجَاسَةِ، وَحَمْلًا لِمَا جَاءَ مِنَ الرُّخْصَةِ عَلَى مَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ، وَفِي الْأُخْرَى لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الْأَثَرِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ أَيْضًا جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِلنَّجَاسَةِ عَلَى بَدَنِهِ إِذَا عَدِمَ مَا يُزِيلُهَا وَخَشِيَ الضَّرَرَ بِإِزَالَتِهَا كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ، فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ لَمْ يُجْزِئْهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَتَيَمَّمُ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا لَا يَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ وَنَجَاسَةِ الِاسْتِحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ؛ وَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْجُنُبِ بِالْمَاءِ لَا تَتَعَدَّى مَحَلَّهَا فَأَنْ لَا تَتَعَدَّى طَهَارَةُ التُّرَابِ مَحَلَّهُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ طَهَارَةَ التُّرَابِ تَعَبُّدٌ قَدْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَتِهَا وَعَنِ التَّيَمُّمِ لَهَا، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» " وَهَذَا يَعُمُّ طَهَارَتَيِ الْحَدَثِ وَالْجُنُبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَدَنِ دُونَ الثَّوْبِ لِقَوْلِهِ: " «فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» " وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ مِنَ الْبَدَنِ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ بِالْمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ بِالتُّرَابِ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَوَاضِعِ الْحَدَثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute