للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس: ١٤] فَوَصَفَهَا أَنَّهَا مُطَهَّرَةٌ، فَلَا يَصْلُحُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَسَّ بِعُضْوٍ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَلَوْ غَسَلَ الْمُتَوَضِّئُ بَعْضَ أَعْضَائِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ مَسُّهَا حَتَّى يُكْمِلَ طَهَارَتَهُ، وَلَوْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ عَلَى عُضْوٍ جَازَ مَسُّهُ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهَا، وَيَجُوزُ بِالتَّيَمُّمِ حَيْثُ يُشْرَعُ كَمَا يَجُوزُ بِالتَّوَضُّؤِ، فَأَمَّا إِنْ حَمَلَهُ بِعَلَاقَتِهِ أَوْ بِحَائِلٍ لَهُ مُنْفَصِلٍ مِنْهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِمَا كَغِلَافِهِ أَوْ حَائِلٍ مَانِعٍ لِلْحَامِلِ كَحَمْلِهِ فِي كُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ، أَوْ عَلَى رَأْسِهِ، أَوْ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ تَصَفَّحَهُ بِعُودٍ أَوْ مَسَّهُ بِهِ - جَازَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا مُنِعَ مِنْ مَسِّهِ تَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ، وَاذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِحَائِلٍ زَالَ التَّعْظِيمُ، وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا رِوَايَةً أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْرُمُ مَسُّهُ بِكُمِّهِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ؛ لِأَنَّ كُمَّهُ وَثِيَابَهُ مُتَّصِلَةٌ بِهِ عَادَةً، فَأَشْبَهَتْ أَعْضَاءَهُ بِخِلَافِ الْعُودِ وَالْغِلَافِ، وَحَكَى الْآمِدِيُّ رِوَايَةً يَجُوزُ حَمْلُهُ بِعَلَاقَتِهِ وَفِي غِلَافِهِ دُونَ تَصَفُّحِهِ بِكُمِّهِ أَوْ عُودٍ. وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهُ، فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لَا سِيَّمَا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ» " جَوَازُ مَا سِوَى الْمُبَاشَرَةِ، وَلَيْسَ الْمَسُّ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ كَالْمُبَاشِرَةِ بِدَلِيلِ نَقْضِ الْوُضُوءِ وَانْتِشَارِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرِ بِهِ وَالْفِدْيَةِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْعَلَاقَةُ وَإِنِ اتَّصَلَتْ بِهِ فَلَيْسَتْ مِنْهُ، إِنَّمَا يُرَادُ لِتَعْلِيقِهِ، وَهُوَ مَقْصُودٌ زَائِدٌ عَلَى مَقْصُودِ الْمُصْحَفِ، بِخِلَافِ الْجِلْدِ فَإِنَّهُ يُرَادُ لِحِفْظِ وَرَقِ الْمُصْحَفِ وَصَوْنِهِ، وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ مِنْ غَيْرِ مَسِّ الصَّحِيفَةِ كَتَصَفُّحِهِ بِعُودٍ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ اسْتَكْتَبُوا أَهْلَ الْحِيرَةِ الْمَصَاحِفَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْكِتَابَةُ وَإِنْ أَجَزْنَا تَقْلِيبَهُ بِالْعُودِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ دُونَ الْجُنُبِ كَالتِّلَاوَةِ.

وَمَا فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُصْحَفِ إِنْ كَانَ مُفْرَدًا، فَإِنْ كُتِبَ مَعَ الْقُرْآنِ غَيْرُهُ فَالْحُكْمُ لِلْأَغْلَبِ، فَيَجُوزُ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالرَّسَائِلِ الَّتِي فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُصْحَفًا

<<  <   >  >>