للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَدْ كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ بِكِتَابٍ فِيهِ قُرْآنٌ، وَكَانَ يَكْتُبُ فِي صَدْرِ كُتُبِهِ إِلَى أَهْلِ النَّوَاحِي " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَلِأَنَّ مَا فِيهَا مِنَ الْقُرْآنِ لَا يَثْبُتُ لَهَا حُرْمَةُ الْمُصْحَفِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَعُمُومِ الْحَاجَةِ إِلَى مَسِّهَا، وَيَجُوزُ مَسُّ مَا كُتِبَ فِيهِ الْمَنْسُوخُ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَسُّ مَا فِيهِ الْأَحَادِيثُ الْمَأْثُورَةُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْقُرْآنَ، وَفِي مَسِّ الدَّرَاهِمِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ رِوَايَتَانِ، وَفِي مَسِّ الصِّبْيَانِ أَلْوَاحَهُمُ الْمَكْتُوبَ فِيهَا الْقُرْآنُ وَجْهَانِ، وَقِيلَ رِوَايَتَانِ، وَوَجْهُ الرُّخْصَةِ عُمُومُ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْ كَافِرٍ وَلَا السَّفَرُ بِهِ إِلَى بِلَادِهِمْ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَلَوْ مَلَكَ الذِّمِّيُّ مُصْحَفًا بِالْإِرْثِ أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِانْتِهَاكِهِ وَانْتِقَاصِ حُرْمَتِهِ.

فَصْلٌ

وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ، وَلِأَنَّ فِيهَا قِرَاءَةً، وَكَذَلِكَ الطَّوَافُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَكَذَلِكَ مَسُّ الْمُصْحَفِ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْجُبُهُ " وَرُبَّمَا قَالَ: لَا يَحْجِزُهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ» " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

<<  <   >  >>