للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ " كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا مُجْتَازًا " رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: " «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ جُنُبٌ» " رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَقَدِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُمَا " فَسَّرُوا ذَلِكَ بِعُبُورِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ " قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: يَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: ٤٠] وَقَدْ فَسَّرَهَا آخَرُونَ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ تَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْأَفْعَالُ أَنْفُسُهَا. الْقَوْلُ عَلَى ظَاهِرِهِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ ذُكِرَ فِي تَمَامِ الْآيَةِ، فَيَكُونُ تَكْرِيرًا، وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا تَجُوزُ لَهُ صَلَاةٌ مَعَ الْجَنَابَةِ إِلَّا فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] (مُعْتَرَضٌ) كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ كَمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ الْجَنَابَةِ لِلْمُسَافِرِ فَكَذَلِكَ لِلْمَرِيضِ، وَلَمْ يُسْتَثْنَ كَمَا اسْتُثْنِيَ الْمُسَافِرُ، فَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لِيُبَيِّنَ كَمَا بَيَّنَ فِي آخِرِ الْآيَةِ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ، وَلِأَنَّ فِي حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ لُزُومُ التَّخْصِيصِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] وَيَكُونُ الْمَخْصُوصُ أَكْثَرَ مِنَ الْبَاقِي، فَإِنَّ وَاجِدَ الْمَاءِ أَكْثَرُ مِنْ عَادِمِهِ، وَلَا قَوْلِهِ: {وَلَا جُنُبًا} [النساء: ٤٣] لِاسْتِثْنَاءِ الْمَرِيضِ أَيْضًا، وَفِيهِ تَخْصِيصُ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ بِالذِّكْرِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ، وَلِأَنَّ عُبُورَ السَّبِيلِ حَقِيقَتُهُ الْمُرُورُ وَالِاجْتِيَازُ.

<<  <   >  >>