للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْمُسَافِرُ قَدْ يَكُونُ لَابِثًا وَمَاشِيًا، فَلَوْ أُرِيدَ الْمُسَافِرُ لَقِيلَ إِلَّا مِنْ سَبِيلٍ كَمَا فِي الْآيَاتِ الَّتِي عَنَى بِهَا الْمُسَافِرِينَ، وَالتَّوْجِيهُ الْمَذْكُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا عَلَى ظَاهِرِهِ ضَعِيفٌ أَيْضًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ صَلَّوْا بَعْدَ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ؛ وَلِأَنَّهُ جَوَّزَ الْقُرْبَانَ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ إِذَا عُدِمَ الْمَاءُ بِشَرْطِ التَّيَمُّمِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْمَسَاجِدِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ عَامَّةً فِي قُرْبَانِ الصَّلَاةِ وَمَوَاضِعِهَا، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ عُبُورَ السَّبِيلِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي مَوْضِعِهَا خَاصَّةً، وَهَذَا إِنَّمَا فِيهِ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى مَنْعِ اللُّبْثِ، أَوْ تَكُونُ الصَّلَاةُ هِيَ الْأَفْعَالُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى مَنْعِ اللُّبْثِ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعُبُورِ بِالذِّكْرِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِالْحُكْمِ، وَلِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامٍ فِي حُكْمِ النَّفْيِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَلَا مَوَاضِعَهَا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ. وَإِذَا تَوَضَّأَ الْجُنُبُ جَازَ لَهُ اللُّبْثُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَدَّثُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ جُنُبًا فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَتَحَدَّثُ ". وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: " رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ إِذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَهَذَا لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُ الْحَدَثَيْنِ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَيَرْفَعُ حُكْمَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ عَنْ سَائِرِ الْبَدَنِ فَيُقَارِبُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ فَقَطْ؛ وَلِهَذَا أُمِرَ الْجُنُبُ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ وَالْأَكْلَ بِالْوُضُوءِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مُجَرَّدَ عَبَثٍ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي نَهْيِ الْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ

<<  <   >  >>