للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي قَوْلِهِ: " «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَ مِنْهُ» " (فَإِذَا) لَمْ يَكُنْ حَاجَةً كَالْغُسْلِ وَالْخَلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُنْهَى عَنْ كَشْفِ السَّوْءَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِاتِّزَارُ فِي حَالِ الْغُسْلِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُكْرَهُ دُخُولُ الْمَاءِ بِغَيْرِ مِيزَرٍ لَكِنْ يُحَبُّ الِاتِّزَارُ، لِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَاءَ لَمْ يُلْقِ ثَوْبَهُ حَتَّى يُوَارِيَ عَوْرَتَهُ فِي الْمَاءِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلِأَنَّهُ كَشْفٌ لِلِاغْتِسَالِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ آدَمِيٌّ، فَجَازَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَاءِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ نُصُوصِهِ وَكَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِيهِ لِمَنْ لَا إِزَارَ مَعَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخُلَ الْمَاءَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ» " رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَرَوَى أَيْضًا عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: " خَرَجْتُ إِلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، فَرَأَيْتُ بِغَالًا، فَقُلْتُ لِرَجُلٍ: لِمَنْ هَذِهِ الْبِغَالُ؟ فَقَالَ: لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ. قُلْتُ: وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: فِي الْفُرَاتِ يَتَغَاطُونُ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُهُمْ فِي سَرَاوِيلَاتٍ، فَقُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَغَاطُونَ فِي الْمَاءِ وَعَلَيْكُمْ سَرَاوِيلَاتٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا، وَأَنَّ أَحَقَّ مَنِ اسْتَتَرَ مِنْ سُكَّانِ الْمَاءِ لَنَحْنُ ".

وَذَكَرَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ قِيلَ لَهُمَا وَقَدْ دَخَلَا الْمَاءَ وَعَلَيْهِمَا بُرْدَانِ فَقَالَا: " إِنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا " وَاحْتَجَّ بِهِ إِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ؛ وَلِأَنَّهُ كَشْفٌ لِلْعَوْرَةِ بِحَضْرَةِ مَنْ يَرَاهُ مِنَ الْخَلْقِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَشَفَهَا بِحَضْرَةِ

<<  <   >  >>