آدَمِيٍّ؛ وَلِذَلِكَ كَرِهْنَا لَهُ التَّكَشُّفَ فِي الْخَلْوَةِ إِلَّا بِقَدَرِ الْحَاجَةِ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ كَشْفِهَا فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَصِلُ إِلَى الْأَرْفَاغِ وَنَحْوِهَا مِنْ غَيْرِ تَكَشُّفٍ، وَحَدِيثُ مُوسَى شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَكَانَ التَّسَتُّرُ فِي شَرْعِهِمْ أَخَفَّ، وَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمُ النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى عَوْرَةِ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا كَانَ مُوسَى يَجْتَنِبُ ذَلِكَ حَيَاءً، وَالتَّكَشُّفُ فِي الْمَاءِ أَهْوَنُ مِنْهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَمَا كَانَ مَكْرُوهًا فِيهِمْ صَارَ مُحَرَّمًا فِينَا وَمَا كَانَ مُبَاحًا صَارَ مَكْرُوهًا، أَوْ يُحْمَلُ حَدِيثُ مُوسَى عَلَى كَشْفِهَا فِي الْمَاءِ لِحَاجَةٍ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ إِذَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى كَشْفِهَا كَمَا فِي كَشْفِهَا خَارِجَ الْمَاءِ، وَيَكُونُ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ بَيَانَ أَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ بِسَاتِرٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ سُكَّانًا.
فَصْلٌ
وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَحِلُّ دُخُولُهَا إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَيَغُضَّ نَظَرَهُ عَنْ عَوْرَاتِهِمْ، وَلَا يَمَسَّ عَوْرَةَ أَحَدٍ، وَلَا يَدَعَ أَحَدًا يَمَسُّ عَوْرَتَهُ مِنْ قَيَّمٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَالنَّظَرَ إِلَيْهَا وَمَسَّهَا حَرَامٌ، ثُمَّ إِنَّ مَنْ " عَدِمَ " النَّظَرَ إِلَى عَوْرَةِ غَيْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ فِي الْحَمَّامِ مُؤْتَزِرًا أَوْ لَا يَكُونَ فِيهِ غَيْرُهُ فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهِ، وَإِنْ خَشِيَ النَّظَرَ إِلَى عَوْرَاتِهِمْ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: " إِنْ عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ مَنْ فِي الْحَمَّامِ عَلَيْهِ إِزَارٌ فَادْخُلْهُ وَإِلَّا فَلَا تَدْخُلْ " وَقَالَ أَيْضًا: " ادْخُلْ إِذَا اسْتَتَرْتَ، وَاسْتُتِرَ مِنْكَ، وَلَا أَظُنُّكَ تَسْلَمُ إِلَّا أَنْ تَدْخُلَ بِاللَّيْلِ أَوْ وَقْتًا لَا يَكُونُ فِي الْحَمَّامِ أَحَدٌ ".
قَالَ الْقَاضِي: " إِنْ كَانَ لَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُولُ " يَعْنِي إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ رُؤْيَةُ الْعَوْرَاتِ، هَذَا إِذَا قَامَ بِفَرْضِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فِيهَا، مِثْلَ تَغْيِيرِ مَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ التَّمَاثِيلِ الْمُحَرَّمَةِ وَأَمْرِ الْمُتَعَرِّينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute