فَإِنْ قِيلَ: هِيَ مُطْلَقَةٌ فِي التَّيَمُّمِ مُقَيَّدَةٌ فِي الْوُضُوءِ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّهَارَةُ، وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ بَدَلُ الْمُقَيَّدِ فَيَحْكِيهِ، قُلْنَا: إِنْ سَلَّمْنَاهُ فَإِنَّمَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إِذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا، كَالْعِتْقِ فِي الظِّهَارِ وَالْجِمَاعِ، وَالْيَمِينِ عَلَى الْعِتْقِ فِي الْقَتْلِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] هِيَ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ الْمُفَسَّرَةِ فِي قَوْلِهِ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] وَالْمَسْحُ بِالتُّرَابِ لَيْسَ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ، ثُمَّ قَدِ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ، فَهَذَا فِي عُضْوَيْنِ وَذَلِكَ فِي أَرْبَعَةٍ، وَفِي الصِّفَةِ فَالْوُضُوءُ شُرِعَ فِي التَّثْلِيثِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي التَّيَمُّمِ، وَالْوَجْهُ فِي الْوُضُوءِ يُغْسَلُ وَالْأَنْفُ مِنْهُ (وَ) بَاطِنُ الْفَمِ وَبَاطِنُ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ، وَيُخَلَّلُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يُكْرَهُ فِي التَّيَمُّمِ، وَهَذَا الْبَدَلُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ، فَكَيْفَ يُلْحَقُ بِمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِسْبَاغِ، ثُمَّ الْبَدَلُ الَّذِي هُوَ مَسْحُ الْخُفِّ وَالْعِمَامَةِ لَمْ يُحْكَ مُبْدَلُهُ فِي الِاسْتِيعَابِ مَعَ أَنَّهُ بِالْمَاءِ، فَأَنْ لَا يَحْكِيَهُ الْمَسْحُ بِالتُّرَابِ أَوْلَى، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا تَيَمَّمُوا إِلَى الْآبَاطِ لَمْ يَفْهَمُوا حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا، وَهُمْ أَهْلُ الْفَهْمِ لِلِّسَانِ، وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ مَا خَرَّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ، فَتَمَعَّكْتُ فِي الصَّعِيدِ وَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " إِنَّمَا يَكْفِيكَ هَكَذَا، وَضَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ» ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute