للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَمَا يَفْعَلُهُ مِنَ الْوُضُوءِ، كَمَا يَجِبُ فِي نَفْسِ الْوُضُوءِ، فَإِذَا كَانَ الْجُرْحُ فِي وَجْهِهِ بَدَأَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ غَسَلَ بَقِيَّةَ الْوَجْهِ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَسَلَ الْمُمْكِنَ مِنَ الْوَجْهِ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ ثُمَّ غَسَلَ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ، وَإِنْ كَانَتِ الْجُرُوحُ فِي الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا تَيَمَّمَ لِكُلِّ عُضْوٍ حِينَ يَشْرَعُ فِي غَسْلِهِ، فَإِنْ تَيَمَّمَ لَهَا تَيَمُّمًا وَاحِدًا كَانَ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ جُمْلَةِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ هُنَاكَ بَدَلٌ عَنْ جُمْلَةِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ طَهَارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُنَا هُوَ بَدَلٌ عَنِ الْمَتْرُوكِ غَسْلُهُ، وَهُوَ أَشْيَاءُ مُرَتَّبَةٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مِنْ أَعْضَائِهِ مَعَ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، لِتَحْصُلَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ فِي غَسْلِ الْمَوْضِعِ الْجَرِيحِ، فَكَذَلِكَ فِي بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ، هَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ.

وَالثَّانِي: لَا يَجُبْ فِي ذَلِكَ تَرْتِيبٌ وَمُوَالَاةٌ كَتَيَمُّمِ الْجُنُبِ؛ لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ مُفْرَدَتَانِ فَلَمْ يَجِبِ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنِ اتَّحَدَ بَيْنَهُمَا كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَوْ كَانَ فِي مَحَلِّ الْجُرْحِ لَكَانَ حَرِيًّا أَنْ لَا يَجِبَ تَرْتِيبُهُ عَلَى " الْوُضُوءِ " لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسَيْنِ، فَأَنْ لَا يَجِبَ تَرْتِيبُهُ مَعَ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجُرْحِ " أَوْلَى ". وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ إِنَّمَا وَجَبَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِغَسْلِهِ وَمَسْحِهِ لِيَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، وَهَذَا الْجُرْحُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِغَسْلِهِ وَلَا مَسْحِهِ فَلَا تَرْتِيبَ لَهُ، وَوُجُوبُ التَّرْتِيبِ لَهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّرْتِيبُ لِبَدَلِهِ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي غَيْرِ " مَحَلِّ " الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَهُوَ أَخَذَ مِنْهُ قَدْرًا وَمَوْضِعًا وَصِفَةً وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، ثُمَّ فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ مَا يَنْفِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]

<<  <   >  >>