كَالصَّلَاةِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا، ارْتَفَعَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَإِنْ نَوَاهُ لِمَا تُسْتَحَبُّ لَهُ النِّيَّةُ فَفِيهِ وَجْهَانِ، كَالْوُضُوءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ، بَلْ يَرْفَعُ مَنْعَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ رَفْعِ الْحَدَثِ إِزَالَةُ مَنْعِهِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هُنَا، فَإِذَا وُجِدَ الْمَاءُ عَادَ الْمَنْعُ، وَالْتَزَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى هَذَا أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ رَفْعًا مُؤَقَّتًا إِلَى حِينِ وُجُودِ الْمَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ الْمَاءُ عَادَ بِمُوجِبِ السَّبَبِ السَّابِقِ، كَمَا يَقُولُ: إِنَّ تَخَمُّرَ الْعَصِيرِ يُخْرِجُهُ مِنْ عَقْدِ الرَّهْنِ، فَإِذَا تَخَلَّلَ عَادَ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ السَّابِقِ، وَكَمَا قُلْنَا فِي طَهَارَةِ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ عَلَى أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ نَوَى بِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا صَلَّى بِهِ الْمَكْتُوبَةَ وَإِنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فَلَا، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بِالتَّيَمُّمِ إِلَّا مَا نَوَاهُ وَمَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» " وَلِأَنَّ الْحَدَثَ قَائِمٌ لَمْ يَرْتَفِعْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا يُبِيحُ التَّيَمُّمُ مَا نَوَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِبَاحَةِ الْأَدْنَى إِبَاحَةُ الْأَعْلَى، فَعَلَى هَذَا إِذَا تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ حَاضِرَةٍ مَفْرُوضَةٍ أَوْ فَائِتَةٍ أَوْ مُطْلَقَةٍ فَعَلَ جَمِيعَ مَا سِوَاهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَكْمَلُ أَنْوَاعِ الْمَمْنُوعَاتِ بِالْحَدَثِ الْمُبَاحَةِ بِالتَّيَمُّمِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً بِالشَّرْعِ أَوِ النَّذْرِ، وَعَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْحَابِنَا لَا يَسْتَبِيحُ فِعْلَ الْفَرْضِ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَإِذَا نَوَى نَافِلَةَ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ أَوِ الْمُعَيَّنَةٍ فَلَهُ فِعْلُ جَمِيعِ النَّوَافِلِ، وَالطَّوَافُ فَرْضُهُ وَنَفْلُهُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لِلنَّافِلَةِ أَوْكَدُ لَهَا مِنْهُمَا؛ لِاشْتِرَاطِهَا لِلصَّلَاةِ إِجْمَاعًا، وَلَا يُبَاحُ فَرْضُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْجِنَازَةِ الْوَاجِبَةِ أُبِيحَتِ الصَّلَاةُ النَّافِلَةُ لِأَنَّهَا دُونَهَا، وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ جَعَلَ الطَّهَارَةَ لِنَفْلِ الصَّلَاةِ أَوْكَدَ مِنْهُ لِلْجِنَازَةِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلطَّوَافِ أُبِيحَ لَهُ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَسُّ الْمُصْحَفِ أَوْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوِ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَسْتَبِحْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَسْتَبِيحُ بِنِيَّةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةِ وَاللُّبْثِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَاللُّبْثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute