حِقَّةً جَازَ وَكَانَ الْجَمِيعُ زَكَاةً، وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَا زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ تَطَوُّعًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٤]- يَعْنِي أَكْثَرَ مِنْ مِسْكِينٍ - {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: ١٨٤] وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي وَجَبَتْ فِي مَالِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ: " «ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْكَ فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ مِنْهُ قَبِلْنَاهُ مِنْكَ وَآجَرَكَ اللَّهُ عَلَيْهِ» ". وَوَصَفَهُ بَعْضُهُمْ بِالْوُجُوبِ وَإِنْ جَازَ تَرْكُهُ كَمَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْوَاجِبِ الَّذِي لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ، مِثْلَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِذَا طَوَّلَهُ زِيَادَةً عَلَى مَا يُجْزِئُ. وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ بِاخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ وَهَذَا جَائِزٌ، كَمَا يَجِبُ إِتْمَامُ الْإِحْرَامِ إِذَا شَرَعَ فِيهِ، وَيَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِذَا اخْتَارَ تَقْلِيدَ صَاحِبِهِ وَهَذَا لِأَنَّا نُخَيِّرُهُ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ أَوْ يَفْعَلَهُ عَلَى صِفَةِ الْوُجُوبِ كَمَا يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْكِ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْعَلَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَتَكُونُ الصِّفَةُ وَاجِبَةً بِشَرْطِ فِعْلِ الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً إِذَا تَرَكَ الْأَصْلَ.
فَصْلٌ
وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ سَوَاءٌ كَانَ جَاهِلًا بِالْحَيْضِ وَبِالتَّحْرِيمِ أَوْ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ النَّاسِي كَالْعَامِدِ فِي الْمَنْصُوصِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ لَا يَجِبُ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ صُغْرَى فَلَمْ تَجِبْ مَعَ السَّهْوِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ، وَقَدْ رَوَى حَرْبٌ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَتَى جَارِيَةً لَهُ فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ، فَكَذَّبَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا حَائِضًا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَا حَفْصٍ، تَصَدَّقْ بِنِصْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute