الْفَصْلُ الْخَامِسُ:
أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ سُنَّةَ الطَّلَاقِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ كَانَ مُبْتَدِعًا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] يَعْنِي طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ «وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: " لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَلِأَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا حَائِضًا لَمْ تُحْسَبْ تَمَامًا الْحَيْضَةُ مِنَ الْقُرُوءِ فَتَتَرَبَّصُ بَعْدَ تِلْكَ الْحَيْضَةِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَفِي ذَلِكَ تَطْوِيلٌ لِلْعِدَّةِ وَذَلِكَ إِضْرَارٌ بِهَا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْحَيْضَ مَظِنَّةُ الزُّهْدِ فِيهَا وَالتَّفْرِقَةِ عَنْهَا، فَرُبَّمَا يَعْقُبُهُ النَّدَمُ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ كَانَ الطَّلَاقُ سُنَّةً، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِيهَا قَوْلَيْنِ، يَعْنِي رِوَايَتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ بِدْعَةٌ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ: " «مُرْ عَبْدَ اللَّهِ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الْأُخْرَى فَلَا يَمَسُّهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ يُمْسِكُهَا فَلْيُمْسِكْهَا فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَفْسِيرُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَتُبَيِّنُ أَنَّ الْمَسِيسَ وَالطَّلَاقَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الِاغْتِسَالِ فِي حُكْمِ الْحَيْضِ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute