للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اسْتَفْتَتْ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةٍ تُهْرَاقُ الدَّمَ، فَقَالَ: " لِتَنْظُرْ قَدْرَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ فَتَدَعُ الصَّلَاةَ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَلْتَسْتَثْفِرْ ثُمَّ تُصَلِّي» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ فَسَدَ حَيْضُهَا وَاهْرِيقَتْ دَمًا لَا تَدْرِي مَا تُصَلِّي، قَالَتْ: " فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَهَا فَلْتَنْتَظِرْ قَدْرَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، ثُمَّ لْتَدَعِ الصَّلَاةَ فِيهِنَّ وَتُقَدِّرُهُنَّ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُحْسِنُ طُهْرَهَا ثُمَّ لْتَسْتَثْفِرْ ثُمَّ تُصَلِّي» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ طَبِيعَةٌ ثَابِتَةٌ، فَوَجَبَ الرَّدُّ إِلَيْهَا عِنْدَ التَّغَيُّرِ لِتَمْيِيزِ دَمِ الْجِبِلَّةِ مِنْ دَمِ الْفَسَادِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ مَرَضٌ وَفَسَادٌ، وَالْفَاسِدُ هُوَ مَا خَرَجَ مِنْ عَادَةِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ، وَلِهَذَا يُسْتَدَلُّ عَلَى سَقَمِ الْأَعْضَاءِ بِخُرُوجِهَا عَنْ عَادَتِهَا، وَقَدَّمْنَا الْعَادَةَ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْتَى بِهِ فِي قَضَايَا مُتَعَدِّدَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْعَمَلُ بِالتَّمْيِيزِ مُقَدَّمًا لَبَدَأَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ عَنْ حَالِ دَمِهَا، وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ يُوجِبُ عَدَمَ الْجَوَابِ لِجَمِيعِ صُوَرِ السُّؤَالِ، وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِنَّ مُمَيِّزَةٌ، وَلِأَنَّ الدَّمَ الْمَوْجُودَ فِي الْعِدَّةِ هُوَ حَيْضٌ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ بِكُلِّ حَالٍ، فَكَذَلِكَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ؛ بِخِلَافِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَلِأَنَّ الدَّمَ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ حَادِثٌ مَعَ الِاسْتِحَاضَةِ، فَكَانَ اسْتِحَاضَةً، كَمَا زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الدَّمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا حَدَثَ وَهُنَاكَ سَبَبٌ صَالِحٌ لَهُ أُضِيفَ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ الدَّمَ الْأَسْوَدَ إِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنَ الْعَادَةِ فَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اسْتِحَاضَةً، وَلِأَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّمَ إِذَا تَغَيَّرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ عَنْ حَالِهِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ فَيَصِيرَ عَادَةً فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ؛ مَعَ أَنَّهُ صَالِحٌ لَا يَكُونُ حَيْضًا، فَلَأَنْ يُعْمَلَ بِالْعَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ

<<  <   >  >>