مَعَ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْلَى، وَأَمَّا حَدِيثُ فَاطِمَةَ فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: " لَا، إِنَّ ذَلِكَ دَمُ عِرْقٍ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَقَدْ رَدَّهَا تَارَةً إِلَى التَّمْيِيزِ، وَتَارَةً إِلَى الْعَادَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْعَادَةِ أَوَّلًا فَلَمْ يَقْطَعْهَا، فَأَمَرَهَا بِالتَّمْيِيزِ، كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: " إِنَّهَا نَسِيَتْ أَيَّامَهَا ". وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْعَادَةِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا، وَأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِثَلَاثٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ، فَإِذَا رَأَتْ دَمًا أَسُودَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَمَا فِيهِ دَمٌ أَحْمَرُ مُتَّصِلٌ، وَهِيَ مُبْتَدَأَةٌ أَوْ نَاسِيَةٌ، ثُمَّ صَارَ دَمًا مُبْهَمًا - فَإِنَّهَا تَجْلِسُ زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَلَكِنْ هَلْ تُقَدَّمُ هَذِهِ الْعَادَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَعْدَمَا أَثْبَتْنَا التَّمْيِيزَ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، مِثْلَ أَنْ تَرَى فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ خَمْسَةً: أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ وَثَلَاثَةً أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ، فَقِيلَ: حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ قَدْرَ عَادَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ يَمْنَعُ الْأَحْمَرَ قَبْلَهُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ أَصْلُ هَذِهِ الْعَادَةِ، فَيَكُونُ أَقْوَى مِنْهَا، وَقِيلَ: حَيْضُهَا مِنَ الْأَحْمَرِ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ زَمَانَ الْعَادَةِ، وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعَادَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّمْيِيزِ.
فَصْلٌ
وَالْعَادَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُتَّفِقَةٍ وَمُخْتَلِفَةٍ، فَالْمُتَّفِقَةُ: أَنْ يَكُونَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ كُلِّ شَهْرٍ، فَيُعْمَلُ بِهَا، وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَةُ فَعَلَى قِسْمَيْنِ: مَضْبُوطَةٍ وَغَيْرِ مَضْبُوطَةٍ، فَالْمَضْبُوطَةُ إِنْ كَانَتْ عَلَى تَرْتِيبٍ، مِثْلَ أَنْ تَحِيضَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةً، وَفِي الثَّانِي أَرْبَعَةً، وَفِي الثَّالِثِ خَمْسَةً، ثُمَّ تَحِيضُ ثَلَاثَةً ثُمَّ أَرْبَعَةً ثُمَّ خَمْسَةً، فَإِذَا اسْتُحِيضَتْ قَعَدَتْ هَكَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ، فَتَجْلِسُ فِي شَهْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute