وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، لِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: " إِنَّ نِسَاءَكُنَّ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ، فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقُصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ " فَاعْتَبَرَتْ حُصُولَ النَّقَاءِ الْخَالِصِ، وَلَمْ تَأْمُرْهُنَّ بِالْعَادَةِ. وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ قَالَتْ: " كُنَّا فِي حِجْرِ جَدَّتِي أَسْمَاءَ بَنَاتِ بِنْتِهَا، فَكَانَتْ إِحْدَانَا تَطْهُرُ مِنَ الْحَيْضَةِ، ثُمَّ لَعَلَّ الْحَيْضَةَ تُنَكِّسُهَا بِالصُّفْرَةِ فَتَأْمُرُنَا أَنْ نَعْتَزِلَ الصَّلَاةَ مَا رَأَيْنَاهَا حَتَّى لَا نَرَى إِلَّا الْبَيَاضَ خَالِصًا " رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الدَّمِ الْخَارِجِ أَنْ يَكُونَ دَمَ حَيْضٍ؛ لِأَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ دَمُ مَرَضٍ وَفَسَادٍ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى مَا يُرِيبُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ: " إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ، أَوْ قَالَ: عُرُوقٌ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَتْ أَمُّ عَطِيَّةَ: " كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الطُّهْرِ الْمُعْتَادِ لَيْسَ بِحَيْضٍ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَادَةِ، فَلَمْ يَثْبُتْ حَتَّى يُمَيَّزَ بِالتَّكْرَارِ؛ كَالزَّائِدِ عَلَى الْعَادَةِ فِي حَقِّ الِاسْتِحَاضَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ ثَابِتَةٌ فِي ذِمَّتِهَا بِيَقِينٍ، وَخُرُوجُهُ عَلَى الْعَادَةِ يُورِثُ الشَّكَّ فِيهِ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ، فَأَمَّا إِنْ نَقَصَ عَنِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الطُّهْرَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّاهِرَ لَا تَكُونُ حَائِضًا قَطُّ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ قَبْلَ كَمَالِ الْعَادَةِ طُهْرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute