صَحِيحٌ إِذَا رَأَتِ النَّقَاءَ الْخَالِصَ، فَإِنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي الْعَادَةِ حَيْضٌ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " إِذَا رَأَتْ بَعْدَ الْغُسْلِ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ ".
فَصْلٌ
أَمَّا التَّمْيِيزُ فَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَزِيدَ الدَّمُ الْأَسْوَدُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَلَا يَنْقُصَ عَنْ أَقَلِّهِ، وَأَنْ لَا يَنْقُصَ الْأَحْمَرُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنِ اخْتِلَافِ لَوْنِ الدَّمِ، فَتَكُونُ أَقْرَاؤُهُ هُوَ الْحَيْضَ، وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةً، فَإِذَا رَأَتْ خَمْسَةً أَسْوَدَ وَخَمْسَةً أَحْمَرَ وَخَمْسَةً أَصْفَرَ، فَالْأَسْوَدُ هُوَ الْحَيْضُ، وَالْأَحْمَرُ وَالْأَصْفَرُ اسْتِحَاضَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرُّجُوعِ إِلَى التَّمْيِيزِ تَكَرُّرُهُ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، بَلْ نَصُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الْآخَرِ: لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِهِ كَالْعَادَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمَا، لَا سِيَّمَا إِذَا قَدَّمْنَا الْعَادَةَ عَلَيْهِ، فَلَوْ رَأَتِ الْمُبْتَدَأَةُ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةً أَسْوَدَ، وَالْبَاقِي أَحْمَرُ، فَالْحَيْضُ أَيَّامُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ أَوَّلَ مَرَّةٍ تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ لِأَنَّ اسْتِحَاضَتَهَا لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً، ثُمَّ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي تَجْلِسُ الدَّمَ الْأَسْوَدَ كُلَّهُ، وَتَقْضِي مَا فَعَلَتْهُ فِي مُدَّةِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ أَوَّلَ مَرَّةٍ مِنْ صِيَامٍ وَطَوَافٍ وَاعْتِكَافٍ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ تَكَرَّرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ صَارَ عَادَةً، فَتَجْلِسُ الْخَمْسَةَ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ أَوِ الثَّالِثِ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ دَمُهَا أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ؛ لِأَنَّهُ زَمَنُ عَادَةٍ، فَيُقَدَّمُ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَلَوْ رَأَتِ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ، وَلَمْ يَجْرِ الْأَسْوَدُ أَكَثَرَ الْحَيْضِ، فَحَيْضُهَا زَمَنُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَلَا يَضُرُّهُ تَقَدُّمُ الْأَحْمَرِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَضُرُّ زَمَنَ الْعَادَةِ تَقَدُّمُ دَمٍ آخَرَ عَلَيْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا أَنَّ التَّمْيِيزَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى تَكْرَارٍ، وَإِنْ قُلْنَا: يَفْتَقِرُ إِلَى تَكْرَارٍ فَإِنَّهَا تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلَاثَةً، وَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute