فَقِيلَ: تَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْأَحْمَرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ، فَكَانَتْ كَمَنِ اتَّفَقَ لَوْنُ دَمِهَا، وَقِيلَ: تَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ تَكَوُّنَ دَمِ الْحَيْضِ، وَلَوْ كَانَ الْأَحْمَرُ الْمُتَقَدِّمُ أَكْثَرَ مِنَ الطُّهْرِ الْكَامِلِ بِقَدْرِ حَيْضَةٍ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَبَاقِي الشَّهْرِ أَسْوَدُ - فَعَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: تَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَالثَّانِي: تَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَتَحِيضُ الْأَسْوَدَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا حَيْضَتَيْنِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَلَا تَحِيضُ عَلَى هَذَا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ حُيِّضَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ وَنَحْوَهُ لَنَقَصَ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَهُوَ يَفْتَقِرُ بِحَيْضِهَا مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى تَكَرُّرِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْأَحْمَرُ مَعَ الْأَسْوَدِ أَكْثَرَ مِنْ شَهَرٍ، فَقِيلَ: لَيْسَ لَهَا تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً وَطُهْرًا، فَإِذَا خَالَفَ التَّمْيِيزُ الْغَالِبَ ضَعُفَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ كَانَ زَمَنُهُ أَكْثَرَ مِنْ غَالَبِ الْحَيْضِ.
فَصْلٌ
وَالْأَحْمَرُ كَالْأَسْوَدِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ مِثْلُهُ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ السَّوَادُ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ، فَلَا تَكُونُ بَالِغَةً بِالْأَحْمَرِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» "، وَلِأَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ لَا عَادَةَ لَهَا، فَيَكُونُ السَّوَادُ دَلِيلَ الْحَيْضَةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الْأَحْمَرَ إِذَا جَاءَ فِي الْعَادَةِ بَدَلَ الْأَسْوَدِ كَانَ حَيْضًا، فَإِذَا لَمْ يُخَالِفْ صِفَةً مُتَقَدِّمَةً فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ، فَإِنَّهُ لَا تَجِيءُ الْحَيْضَةُ مِنْهَا وَحْدَهَا قَطُّ، فَأَمَّا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فَهِيَ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ حَيْضٌ يَتَقَدَّمُهَا حُمْرَةٌ وَسَوَادٌ أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمُهَا، وَفِيمَا خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ لَيْسَتْ بِحَيْضٍ، تَكَرَّرَتْ مِنْهَا أَوْ لَمْ تَتَكَرَّرْ، بَلْ يَكْفِي فِيهَا الْوُضُوءُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute