رسول الله من أصحابه بغير إذن وليه، رده عليهم، ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يردوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا أسلال ولا أغلال، وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب: أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده، دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد رسول الله وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وأنك ترجع عنا عامنا هذا فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك، وأقمت بها ثلاثًا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب، فبينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكتب الكتاب، إذا جاءه أبو جندل بن سهل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وقد كان أصحاب رسول الله خرجوا وهم لا يشكون في الفتح، لرؤيا رآها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع، وما تحمل رسول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] على نفسه، دخل الناس من ذلك أمر عظيم، حتى كادوا أن يهلكوا. فلما رأى سهل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وقال: يا محمد، قد لجّت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال:"صدقت". فقام إليه فأخذ بتلابيبه.
قال: وصرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أتردونني إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني؟ قال: فزاد الناس شرا إلى ما بهم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدا، وإنا لن نغدر بهم". قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب فجعل يمشي مع [أبي] جندل إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، قال: ويدني قائم السيف منه، قال: يقول: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه قال: فضن الرجل بأبيه. قال: ونفذت القضية، فلما فرغا من الكتاب، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في الحرم، وهو مضطرب في الحل، قال: فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "يا أيها الناس، انحروا واحلقوا". قال: فما قام أحد. قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثلها، فما قام رجل.
فرجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل على أم سلمة فقال:"يا أم سلمة ما شأن الناس؟ "