للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد أنْ ذكرَ الشيخُ الأصلينِ اللَّذَيْنِ يُرَدُّ بهما على نفاةِ الصفات، شَرَعَ في ذِكْرِ المثلينِ المضروبينِ في ذلك.

فالمثل الأول: ما أخبر الله تعالى به عمَّا في الجنة من المخلوقات ممَّا أعدَّ لأوليائه من أصناف النعيم؛ من: (المطاعم، والمشارب، والملابس، والمساكن)، وغير ذلك، فأخبرنا أن فيها: (لبناً، وعسلاً، وخمراً، وماء، ولحماً)، وغير ذلك، وقد قال ابن عباس : «ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء» (١)، فموجوداتُ الآخرةِ موافقةٌ لموجوداتِ الدنيا في الاسم، وفي مسمى الاسم المطلق؛ وهو: «المعنى العام الكلي المشترك»، ولكنها مع ذلك ليست مماثلة لها؛ (بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله تعالى).

وإذا كان هذا التباين موجوداً بين المخلوقات، وفي صفاتها المتفقة في الأسماء، وفي المعنى الكلي المشترك؛ (فالخالقُ أعظمُ مباينة للمخلوقات من مباينة المخلوق للمخلوقِ، ومباينتُه لمخلوقاته أعظمُ من مباينةِ موجودِ الآخرةِ لموجودِ الدنيا؛ لأن المخلوقَ أقربُ إلى المخلوق - الموافق له في الاسم - من الخالق إلى المخلوق) (٢).


(١) رواه هنَّادٌ في «الزهد» ص ٤٩ و ٥١، والطبري في «تفسيره» ١/ ٤١٦، وابن أبي حاتم في «تفسيره» ١/ ٦٦، والبيهقي في «البعث والنشور» ص ١٦٣. وقال المنذري في «الترغيب والترهيب» ٤/ ٤٧٣: «إسناده جيد»، وقال ابن تيمية في «الفتوى الحموية» ص ٥٤٢: «قد ثبت».
(٢) «درء تعارض العقل والنقل» ٦/ ١٢٣، و «منهاج السنة» ٢/ ١٥٧، و «شرح حديث النزول» ص ١٠٤، و «الفتوى الحموية» ص ٥٤٢، و «مجموع الفتاوى» ٥/ ٢٠٧ و ١١/ ٤٨٢ و ٩/ ٢٩٥، و «الإكليل في المتشابه والتأويل» ص ٢٧٨.

<<  <   >  >>