للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن هذا لا يجوز، وأنه لم يدل اللفظ عليه أصلاً، كما لم يدل على نظائره في سائر ما وصف به الرب نفسه.

فلما قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [الذاريات: ٤٧] فهل يتوهم متوهم أنَّ بناءه مثل بناء الآدمي المحتاج، الذي يحتاج إلى زُبُلٍ (١)، ومجارفَ، وأعوانٍ، وضَرْبِ لَبِنٍ (٢)، وجَبْلِ طين (٣)؟!

ثم قد عُلم أن الله خلق العالم بعضه فوق بعض، ولم يجعل عاليه مفتقراً إلى سافله، فالهواء فوق الأرض، وليس مفتقراً إلى أن تحمله الأرض، والسحاب - أيضاً - فوق الأرض، وليس مفتقراً إلى أن تحمله، والسموات فوق الأرض، وليست مفتقرة إلى حمل الأرض لها.

فالعلي الأعلى ربُّ كلِّ شيء ومليكه إذا كان فوق جميع خلقه، كيف يجب أن يكون محتاجاً إلى خلقه، أو عرشه؟! أو كيف يستلزم علوه على خلقه هذا الافتقار، وهو ليس بمستلزم في المخلوقات؟!

وقد عُلم أن ما ثبت لمخلوق من الغنى عن غيره؛ فالخالقُ سبحانه أحقُّ به وأَولى.


(١) جمع «زبيل»؛ وهو: الجِراب، وقيل: الوِعاء يُحْمل فيه. «لسان العرب» ١١/ ٣٠٠.
(٢) اللَّبِنُ؛ هو: «المَضْروب من الطينِ مُرَبَّعاً للبِناءِ». «القاموس المحيط» ص ١٥٨٦.
(٣) في «القاموس المحيط» ص ١٢٥٩: «جَبَلَهُم اللّهُ تعالى يَجْبُلُ ويَجْبِلُ: خَلَقَهُم». ولعل المراد ب «جَبْل الطين»: صنعه على الشكل الذي يريده الباني. والله أعلم.

<<  <   >  >>