للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس في اللفظ ما يدل على ذلك، لأنه أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة، كما أضاف إليها سائر أفعاله وصفاته، فذكر أنه خلق، ثم استوى، كما ذكر أنه قدَّر، فهدى، وأنه بنى السماء بأيدٍ، وكما ذكر أنه مع موسى وهارون يسمع ويرى، وأمثال ذلك.

فلم يذكر استواء مطلقاً يصلح للمخلوق، ولا عاماً يتناول المخلوق، كما لم يذكر مثل ذلك في سائر صفاته، وإنما ذكر استواء أضافه إلى نفسه الكريمة.

فلو قُدِّر - على وجه الفرض الممتنع - أنه هو مثل خلقه - تعالى الله عن ذلك - لكان استواؤه مثل استواء خلقه.

أما إذا كان هو ليس مماثلاً لخلقه، بل قد عُلم أنه الغني عن الخلق، وأنه الخالق للعرش ولغيره، وأن كل ما سواه مفتقر إليه، وهو الغني عن كل ما سواه، وهو لم يذكر إلا استواء يخصه، لم يذكر استواء يتناول غيره ولا يصلح له، كما لم يذكر في علمه وقدرته ورؤيته وسمعه وخلقه إلا ما يختص به؛ فكيف يجوز أن يتوهم أنه إذا كان مستوياً على العرش كان محتاجاً إليه، وأنه لو سقط العرش لخر مَنْ عليه؟! سبحانه وتعالى عمَّا يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.

هل هذا إلا جهل محض وضلال ممن فهم ذلك، أو توهمه، أو ظنه ظاهر اللفظ ومدلوله، أو جوَّز ذلك على رب العالمين الغني عن الخلق؟!؛ بل لو قُدِّر أن جاهلاً فهم مثل هذا، أو توهمه لبُين له

<<  <   >  >>