فتسبيحه ﷺ واستغفاره هذا في الركوع والسجود؛ هو التأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، وقولها ﵂:«يتأول القرآن» أي: يعمل بهذا القرآن، ويحقق حقيقة الأمر الذي أُمر به؛ بهذا التسبيح، وهذا الاستغفار.
وتأويل قوله تعالى:(﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾) بمعنى التفسير، مثل أن يقول المفسر: هذا أمر من الله سبحانه لنبيه ﷺ بتسبيحه وتنزيهه عن كلِّ ما لا يليق به، وحمده سبحانه، والثناء عليه بما هو أهله، وأمرٌ من الله لنبيه بالاستغفار، والتوجه إليه بطلب المغفرة.
وعائشة ﵂ أخبرت عن التأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الشيء، وهكذا تأويل قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ [التغابن: ٩] بمعنى الحقيقة؛ هو نفس ما يكون يوم القيامة من جمع الناس الأولين والآخرين ببعثهم من قبورهم، وحشرهم.
ومن شواهد التأويل بمعنى الحقيقة ما ذكره الشيخ عن سفيان بن عيينة:(السنة؛ هي تأويل الأمر والنهي)(١) أي: الطريقة المستقيمة والمثلى؛ هي فعل المأمور به، وترك المنهي عنه، وهذا هو تأويل الأمر والنهي، وبهذا يكون الشيخ قد ذكر للمعنى الثالث من معاني التأويل شواهد من القرآن كما في الآيتين، وشواهد من المأثور من كلام السلف؛ كقول عائشة ﵂، وقول سفيان بن عيينة ﵀، والله أعلم.
(١) لم أجده عنه مسنداً، وقد ذكره المؤلف أيضًا في «درء تعارض العقل والنقل» ١/ ٢٠٦.