للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا القول بأن (المحكم)؛ هو: (المبين)، و (المتشابه)؛ هو: (المجمل)؛ لأنه بسبب ما فيه من الإجمال يشتبه؛ لأنه يحتمل أكثر من معنى؛ فيشبه غيره من وجه، مع مخالفته له من وجه آخر.

وقد تقدم (١): أن نصوص الصفات، ونصوص المعاد؛ يمكن أن تكون من المتشابه لا بمعنى التشابه عند أهل التفويض، الذين يقولون: «إن نصوص الصفات متشابهة بمعنى أنه لا يعلم معناها إلا الله تعالى»، ولكنها متشابهة بمعنى «أنه يشتبه معناها ويخفى على بعض الناس».

كما مثَّل الشيخ في هذا الموضع بقوله: (كما إذا اشتبه على بعض الناس ما وُعِدوا به في الآخرة بما يشهدونه في الدنيا؛ فظن أنه مثله) أي: مثل ما في الدنيا (فعَلِمَ العلماء أنه ليس هو مثله) أي: مثل ما في الدنيا (وإن كان مشبهاً له من بعض الوجوه).

ففرقٌ بين قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾ [محمد: ١٥]، وقوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا (٤٨)[الفرقان]، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِين (٦٦)[النحل]، وقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ﴾ [النحل: ٦٩]، فهذا ماءٌ غيرُ آسنٍ، ولبنٌ، وخمر، وعسل، وذاك ماءٌ، ولبن، وخمر، وعسل، ولكن مع الفارق، فهذه آيات وردت في مشارب الدنيا، وتلك آيات وردت في مشارب الآخرة.


(١) ص ٣٨٨.

<<  <   >  >>